الدهن في العتاقي

بقلم: أسامه الفرا

لا شيء بإستطاعته أن يجلب لنا الخوف والفزع أكثر من التجديد، نخشاه كما يفعل الطفل الصغير إن غابت عنه أمه، يدخلنا في موجة العويل والصراخ قبل أن تبدأ ملامحه في التشكل، نرفضه قبل أن نتعرف على جنس المولود الذي يحمله في أحشائه، نعشق القديم على قدمه، ليس كما يفعل السائح حين يتفحص الآثار ليأخذ منها ابداع القدماء وحكمتهم لينسج به خيوط مستقبله الذي يريده، مستقبله الذي يلامس الزمان الذي يعيشه لا المستقبل المعبأ في زجاجات منذ عقود عدة.
كم نحن بلهاء ونحن نسترشد بالمثل الشعبي " الدهن في العتاقي"، من قال أن الدهون تسكن العتاقي؟، فكلما هرمت الدجاجة استنزفت ما بها من دهون لتقترب أكثر من هيكلها العظمي، وإن قبلنا ضمناً بأنها تحتفظ بالكثير منه، ألا يدفعنا ذلك للنفور منها والإبتعاد عن تناولها لما تسببه من إرتفاع في نسبة الكوليسترول، ألا يتحمل الكوليسترول والدهون من قبله المسؤولية عن الجلطات التي تضرب الأجيال المختلفة دون رحمة أو شفقة، وإن سلمنا بأن كل ذلك من أخطاء العلوم التي يجب علينا عدم الأخذ بها، فكيف يمكن لنا أن نفسر الإقبال الواسع على صغار السن منها؟.
ماذا لو أخذ مدرب فريق عريق بقاعدة الدهن في العتاقي لإختيار أعضاء فريقه، وماذا لو استند أيضاً على ذات المثل ونفب في الماضي عن خطة يواجه بها فريق حارة أو زقاق؟، ألن تكون النتيجة صادمة؟، وكيف يمكن لمن عايش الحمام الزاجل كوسيلة نقل للبريد السريع أن يعرف الآفاق التي صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي؟، هل بإستطاعته أن يتفهم أن المعلومة التي كانت دوماً حكراً على فئة ضيقة باتت اليوم تتحرك أمام الملايين في رمشة عين؟.
لا نقلل البتة من الحكمة التي صقلتها تجربة السنوات ومردودها في توجيه البوصلة في الإتجاه السليم، ونؤمن بأن إندفاع الشباب بحاجة إلى ضبط إيقاعه بالكثير من الحكمة والتجربة، لكن بالمقابل لماذا أبقينا التجربة حكراً على من أنهكتهم التجارب ولم يعد لديهم من الطاقة ما يمكن لها أن تحفظ لهم قدرتهم على النهوض من على مقاعدهم؟، ولماذا نتخوف من اندفاع الشباب في ظل عالم تحكمه السرعة، بدءاً من سرعة الإنترنت وإنتهاءاً بسرعة إتخاذ القرار؟.
هل علينا أن نصفق طويلاً عندما يتبين لنا أن متوسط عمر أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بلغ 77 عاماً؟، مؤكد أننا بحاجة للمزاوجة بين حكمة وتجربة الكبار من جهة وقوة وإندفاع الشباب من جهة ثانية، وكيف لنا أن نصل إلى ذلك طالما تيبس الكل في مكانه؟، كم يحمل من الكوميديا الهزلية حديث الكل حول ضرورة إشراك الشباب دون أن يفسح أي منا مكاناً لهم؟، الحقيقة المرة أننا حاصرنا ثلاثة أجيال في خرافة "الدهن في العتاقي"، وأوصدنا كل الأبواب التي يمكن أن يلج التجديد منها، واتخذنا من فشلنا في التغيير سوطاً نضرب به من تسول له نفسه بالتفكير فيه، لماذا فرضنا على أنفسنا أن يكون المسلك الوحيد نحو التجديد من خلال نفي الآخر وإقصائه بدلاً من تكريمه والحفاظ على هيبته؟، أليس من الملهاة ونحن نفتح طاقة للتجديد أن نعيد إنتاج ذواتنا؟.

د. أسامه الفرا
[email protected]