غرفة التحكم

بقلم: أسامه الفرا

الأيسر على المرء أن يحتمي بكلمة "نعم"، فهي الأقدر دوماً على جلب الرضا والفوز بشيء من العطايا، فيما "لا" تحمل في حرفيها ما يقطع حبل الوصال وتجلب لصاحبها النفور وغضب أصحاب المقامات، دوماً ما ارتبطت "لا" بالمعارضة وكأنها العلامة المميزة لها، وفي المقابل يتكيء أعضاء الحزب الحاكم على "نعم" سواء كانت في محلها أو غير ذلك، حتى وإن تحولت إلى دابة الأرض التي تأكل منسأته، المختصون في علوم التنمية البشرية يتناولون مفاتن "نعم" عند الحديث عن لغة التواصل المجتمعي، كأنها الملكة المتوجة في قاموس اللغة صاحبة السحر الذي لا يقاوم في كسب الأصدقاء، وفي الوقت ذاته يحذرون من "لا" وما تملكه من قوة تنفيرية يصعب في كثير من الأحيان معالجة تداعياتها.
قد نفهم مردود كلمة "نعم" في القاعدة التي تحكم العلاقات بين البشر، ونتفق ضمناً على المحاذير التي يتوجب الأخذ بها ونحن نستعير كلمة "لا"، لكن الشيء الذي لا نستطيع فهمه أن "نعم" النافعة والضارة باتت من سلالة الشرعية، وأنها تحولت إلى صفة وراثية تتحكم بمعايير الولاء في قاموس تصنيف البشر، وأن نقيضتها "لا" نبتة شيطانية تدفع بصاحبها إلى خارج دائرة الشرعية.
تدحرجت المفاهيم لدينا حتى التصقت الشرعية بالأشخاص وذابت فيهم، واصبح الولاء "للاشخاص لا للقانون" هو البوابة التي نلج من خلالها إلى رحاب الشرعية، لا أحد منا يدافع عن القانون وإن فعل ذلك فهو يدافع عن مصالحه التي يكفلها القانون، فإذا حصل الشقاق بينهما طلق القانون بالثلاثة، لا شك أن ثقة المواطن بالقانون تراجعت كثيراً، وتاهت معها هيبة السلطة القضائية، وبتنا نعاني من عبث "ترزية" القانون، حيث يعكفون على حياكة مواده طبقاً لما يريده ولي نعمتهم.
أشرفت شركة هندسية غربية على تصميم وتنفيذ قاعة مؤتمرات طبقاً لأحدث المواصفات في عاصمة عربية، وإعتمد نظام التصويت الالكتروني فيها، وقبل أن تفرغ الشركة من وضع لمساتها الأخيرة طلب منها أن يتم التحكم بالتصويت "نعم أو لا" من خلال غرفة تحكم تخصص لهذا الغرض، أصابت الدهشة المهندس المشرف على المشروع، وتساءل حينها إن كانت "نعم ولا" تخرج من تلك الغرفة فما الداعي لكل هذه الإنفاق؟.

د. أسامه الفرا