الحرب الرابعة مع الإسرائيليين على الأبواب، ما لم تعمل إسرائيل على فك الحصار عن قطاع غزة سريعاً، إذ بلغ استعداد الشباب الفلسطيني للمقاومة أعلى الدرجات، وفاقت قدرة الناس في غزة على احتمال آثار الحرب والدمار قدرتها على احتمال الحصار، والمثل العربي الذي قال: وجع ساعة ولا وجع كل ساعة، بات ينطبق على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة.
فإذا انفجرت الحرب الرابعة، فإن النصيحة إلى قادة كتائب القسام هي؛ عدم تركيز الجهد على أسر الجنود الصهاينة، رغم القيمة المعنوية والمادية لهذا العمل الجريء الشجاع، والذي كلف في الحرب السابقة كثيراً من الشهداء، وكان بمقدورهم أن يمارسوا الحرب على فطرتها، دون ترصد متعمد للإيقاع ببعض جنود العدو، لأخذهم أسرى، وذلك لأن ممارسة القتال بهدف تصفية الآخر سيكون الطريق الأسهل لأسر الجنود الصهاينة.
لقد أكسبت الوقائع على الأرض قادة كتائب القسام التجربة الواسعة في المواجهة، ومنحتهم المهارة في اتباع التكتيك العسكري المفاجئ، وأضحت لهم القدرة على تخيل آفاق الحرب القادمة، وقد اعترف لهم عدوهم المتغطرس بالندية والحنكة والقدرة والإبداع، إلا أن كل ذلك لا يمنع من تقديم النصيحة، ولاسيما أننا نواجه عدواً عنيفاً، وله باع طويل في الإرهاب والإجرام، ولا يوجعه إلا تزايد عدد القتلى في صفوفه، وهذا ما دللت عليه الحرب الأخيرة، حين بلغ عدد الجنود الصهاينة الذين قتلوا 67 جندياً صهيونياً، وهذا رقم هز ثقة الجيش الصهيوني بنفسه، وأجبره على سحب جيوشه المتقدمة في الميدان بشكل سريع ومذل للعسكرية الإسرائيلية.
ولا يختلف اثنان على أن أسر الجنود يشكل مادة قلق وفزع لدى الصهاينة جيشاً وقيادة وجنوداً، وهذا ما أجبرهم على سن قانون هنيبعل، القانون الإرهابي؛ الذي يبيح للجندي أن يقتل زميله إذا وقع في الأسر، وهذا دليل على أن مرحلة أسر الجنود الصهانية قد أتت أكلها، ولعل ظهور صورة القائد الشهيد محمد أبو شمالة برفقه الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط في برنامج الجزيرة "الصندوق الأسود" خير دليل على اختراق المقاومة لحصون الجنود الصهاينة النفسية قبل اختراقهم حصونه العسكرية، فالقضية لا تتمثل بأسر جندي إسرائيلي واحد أو أكثر في المعركة، وإنما الإبداع هو القدرة على إخفاء الجندي الأسير لمدة خمس سنوات، دون أن تحقق المخابرات الإسرائيلية أي اختراق صغير في مجال المعلومات.
وهنا لا يمكنني إلا أن أصدق ما قالته فرقة غزة الإسرائيلية، التي توافقت مع تحليل الأجهزة الأمنية في الجيش الصهيوني، حين قدروا جميعهم أن كتائب القسام قد أتمت الاستعداد للمواجهة القادمة، وفي تقديري أن هذا الاستعداد سيتجلى في المعركة القادمة من خلال الحرص على تحقيق أهداف استراتيجية أبعد مدى من أسر جندي إسرائيلي، وأبعد مدى من السيطرة على موقع عسكري إسرائيلي؛ كما حدث في عملية "زيكيم"، حين قامت كتائب القسام بتوثيق السيطرة على الموقع العسكري الإسرائيلي بالكامل، قبل أن يعود المقاومون منتصرين سالمين.
في الحرب القادمة ينتظر شعبنا من كتائب القسام أن تحرر بعضاً من أرضنا الفلسطينية التي احتلها الصهاينة سنة 48، وأن تحتفظ بهذه الأرض أطول فترة زمنية ممكنة، بحيث تغدو تلك الأرض حفرة امتصاص لطلائع جيش العدو الذي اعترف بفشله في منع هروب المستوطنين من غلاف غزة ولاسيما في الأيام الأخيرة من حرب 2014، وعليه، فإنه سيطبق توصية قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الصهيوني الجنرال "سامي ترجمان" والتي تقول بضرورة إخلاء مستوطنات غلاف غزة فوراً، ولمجرد اندلاع مواجهة جديدة مع المقاومة الفلسطينية.
وقاحة إسرائيلية: أحد الضباط الإسرائيليين الكبار يهدد باحتلال مستشفى دار الشفاء بغزة، ونسي الجنرال المهزوم أن عنجهية جيشه قد تكسرت في الشجاعية على أطراف غزة.
د. فايز أبو شمالة