لماذا تتجدد اشتباكات مخيم عين الحلوة بين فترة وأخرى؟

بقلم: سليمان الشيخ

لا يخفى على أي متابع لأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، أن هناك قرارا قد اتخذ في أروقة إحدى المنظمات الإسلامية المتطرفة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان (بالقرب من مدينة صيدا)، يقضي بإزاحة واغتيال بعض القيادات الأمنية الفتحاوية وغيرها، كونها تقف عقبة في وجه مخططاتها، بحسب تقديراتها. فالمعروف أن تنظيم فتح الفلسطيني هو من أكبر التنظيمات وأقواها وأوسعها انتشارا في عين الحلوة ومخيمات لبنان، وفتح كما فصائل منظمة التحرير، تريد المحافظة على ربط فلسطينيي اللجوء بالمشروع الوطني الفلسطيني، بالرغم من ملاحظات عديدة. غير أن بعض التشكيلات الإسلامية المتطرفة الموجودة في المخيم تسعى لإقامة أمارة إسلامية، أو الارتباط بإحدى إمارات التطرف في خارج المخيم. من هنا الأساس الذي تنبع منه المشاكل والاشتباكات التي تندلع بين الحين والآخر، نظرا لتصادم المشروعين، والتنظيمات التي تنحاز إلى هذا المشروع أو ذاك، خصوصا وأن السلاح الذي اقتناه المقاتلون، لم تعد له وظيفة في مواجهة العدو الصهيوني، وأصبح يستعمل في وجه أفراد التنظيمات مع بعضها البعض، ما يوسع من دائرة الخطر على الناس العاديين ويعطل مصالحهم وربما يصيبهم في مقتل.

ضحايا

أما في التفاصيل المستجدة المتعلقة باندلاع الاشتباكات وحدوثها في الأيام الأخيرة، فيمكن تسجيل الوقائع والمجريات التالية: في 25/7/2015 تم إطلاق النار في الشارع الفوقاني من المخيم على العقيد الفتحاوي (طلال بلاونة) المعروف بـ"طلال الأردني" وهو قائد إحدى مجموعات فتح في المخيم، وقد قتل مع شقيقه. إثرها وجهت الاتهامات إلى المجموعات الإسلامية المتطرفة، مما استدعى قيام استنفارات واسعة ضمن التنظيمات القائمة في المخيم، وبقيت الأوضاع غير مستقرة.
وفي 20/8 وبينما كان العميد في حركة فتح سعيد العرموشي قائد الأمن الوطني في المخيم، يشارك في تشييع يوسف جابر أحد عناصر فتح الذي قتل في حادث فردي في اليوم السابق، أطلقت النار على العرموشي، فنجا، إلا أن النار أصابت اثنين من حراسه، ما وتر الوضع، لتندلع اشتباكات متفرقة في أحياء المخيم في 22/8 في محاور عدة، منها البركسات والطوارئ وحي الطيرة وحي حطين، حيث أفيد عن مقتل ثلاثة أشخاص وعشرات الجرحى، واستمرت الاشتباكات، وإن بتقطع حتى قبل ظهر 25/8، إلى ان اجتمعت قيادات من الفصائل المتقاتلة (فتح وجند الشام وغيرهما) وجرت محاولات لتثبيت وقف إطلاق النار، بعد تشكيل لجان لمعالجة أي طارئ في أحياء المخــيم، قبل أن تستفحل الأمور بشكل أكبر.
الغريب أن رصاص القنص والاشتباكات، وصل إلى جميع أطراف المخيم من كل الجهات، ومن بينها أحياء صيدا الجنوبية ومنطقة فرن العربي والسرايا الحكومية وحي الزهور وغيرها. كذلك إلى منطقة الحارة والهمشري والمية ومية وسيروب والمسلك الشرقي لمدينة صيدا والمدينة الصناعية وحتى أطراف بلدة الغازية جنوبا. وهذا الأمر يشير إلى أن بعض القوى المشتركة في الاشتباكات كانت تريد توسيع دوائر الضغط على بعض الجهات للتدخل في وقف الاشتباكات، إلا أنها لم تأخذ في حسبانها، ما يتركه ذلك من آثار على حياة ومصالح المواطنين اللبنانيين.
وكان فتحي أبو العردات مسؤول فتح السياسي في لبنان قد ذكر أنه "كان بالإمكان تصفية المتطرفين الإسلاميين، لو كانوا غير متواجدين داخل الأحياء الشعبية وبين الناس". وهذا يشير إلى أنه كان هناك حرص على عدم تصعيد الأمور، كي لا تصل إلى مأساة مشابهة لمأساة مخيم نهر البارد، التي حدثت في العام 2007. مع ذلك فإن بعض المآسي حدثت لكثير من الناس الذين جرفت بيوتهم أو تم تدميرها جزئيا، وهجر مئات العائلات التي توزعت على باحات المساجد وعلى الساحات العامة، أو انتقلوا إلى بيوت أقارب لهم في المناطق المجاورة، ليتكدسوا هناك في غرف ضيقة.

مشاكل مركبة

يذكر أن مخيم عين الحلوة الذي لا تزيد مساحته عن الكيلومترين، أصبح يضم نحوا من مئة ألف نسمة، بعد أن نزح إليه آلاف آخرين من فلسطينيي سوريا، والمخيم لا يخضع لسلطة الإدارات اللبنانية الرسمية. والمفترض أن تديره منظمة التحرير بحسب اتفاقية القاهرة في العام 1969، إضافة إلى خدمات الأونروا. ولأن السلاح أصبح في أيدي عناصر متعددة ومختلفة، ويستعمل بلا رقيب أو حسيب حقيقي، لذلك فإن أي خلاف فردي أو غيره، يمكن أن يتطور إلى اشتباكات تصل إلى القتل، وفوق ذلك فإن بعض الحالات التي يرتكب فيها بعض الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهما "جرائم وجنح ومخالفات وجنايات" مختلفة، وهربا من الحساب والعقاب، يلجأون إلى داخل المخيم ويحظون بحماية بعض التنظيمات. كما أن عشرات المطلوبين للدولة اللبنانية من الفلسطينيين أو اللبنانيين يتواجدون في داخل المخيم، وهم معروفون ويمارسون نشاطهم كالمعتاد فيه، إلا أنهم لا يستطيعون المغادرة إلى خارجه خشية الاعتقال. وهذا يزيد من التعقيدات. كما إن المخيم محاط بعدة نقاط تفتيش للجيش اللبناني، ورغم ذلك تحدث حالات من التهرب والتهريب بين فترة وأخرى.
وبين الفينة والأخرى يتم الإعلان عن إنشاء تنظيمات متطرفة محلية، أو كفروع لتنظيمات متطرفة من خارج المخيم. ونظرا لعدم وجود وظائف وأشغال تلبي طموحات ومؤهلات الشبان وغيرهم في المخيم، فإن البعض منهم يضطر للالتحاق بتلك التنظيمات التي توفر لهم مبلغا من المال، وإلا فإن الحيطان ستكون سندا لظهورهم في معظم الأوقات، أو افتعال بعض المشاكل الصغيرة بين بعضهم بعضا، والتي قد تكبر لتصل إلى اشتباكات بالسلاح.
المعروف أنه يحظر على الفلسطيني ممارسة ما يزيد على 70 مهنة في لبنان، إلا بتصريح رسمي من قبل السلطات اللبنانية، غالبا ما لا يمكن الحصول عليه؛ إلا في أضيق الظروف والمناسبات، وباستثناءات نادرة. ولهذا فالمشاكل في عين الحلوة ليست أمنية فقط، بل تدخل فيها تعقيدات المعيشة والاقتصاد والاجتماع، والتوق الملهوف للأمن والأمان، وابتهال أي فرصة للعودة إلى الوطن، فهل انتفت مبررات قيام اشتباكات وفتن صغيرة أو كبيرة في المخيم بعد هذه الجولة؟ فـيما تطل الجولة الجديدة برأســها، فكيف يمكن للناس أن تحمي رؤوســـها، وفي هذا المجال يبرز سؤال مهم من الذي سيعوض أهالي القتلى والجرحى ومن أصيبت منازلهم ومصالحهم بأضرار؟

سليمان الشّيخ