لكي نحلل سلوك الشخصية السياسية في المجتمع الفلسطيني ومدى إنعكاسها على القضية الفلسطينية و قضايا المجتمع لا بد من أن نعود لمعرفة ما يدور في باطن الذات السياسية أي اللاوعي أو العقل الباطن السياسي والذي بدوره سيشكل الوعي السياسي أو السلوك الظاهر للشخصية السياسية .
اللاوعي في مفهوم علم النفس وتشكيل الشخصية هو المخزن الداخلي للخبرات والأفكار والمعتقدات التي ترسخت فيه لتبقى ثابته وتحرك السلوك دون وعي منه ويتشكل هذا اللاوعي من خلال العادات الممارسة والمكررة بصورة متتالية والتي تبدأ بدوافع فكرية وعقدية واعية ثم ما أن اعتادت عليها الشخصة حتى تتخزن وتبرمج في اللاوعي وتبدأ ممارستها دون حاجة للوعي بها .
لقد تشكل الوعي السياسي الفلسطيني منذ بداية الإحتلال لفلسطين بأفكار ومعتقدات وقيم قامت على قدسية القضية الفلسطينية وعلى أهمية وحدة الشعب والمقاومة والنضال وتقديم التضحيات مقابل تحرير الأرض وإسترداد الكرامة الإنسانية لهذا الشعب وكان من المستحيلات الوطنية التسليم بالتنازل عن القليل من الأرض مقابل بعضاً من وعود لحياة أمنة وأيضاً يستحيل التخاصم بين الأشقاء وأن يراق من ورائه الدماء مقابل صراع القوة والبقاء وامتلاك السلطة ، وتشكل الوعي السياسي على التكافل والتعاون والمشاركة والبذل في العطاء دون إنتظار الجزاء أو الهبات فقدم الكثيرين أرواحهم شهداء وغيرهم قبعوا في السجون سنوات وأعوام مؤبدات، وشُكل على عدم قبول تلوث الثقافة والهوية سوتء بالتفريط بالزي المطرز والكوفية بألوانها وعدم التقصير في إرتداءه والتباهي به، وتُشكل على الوحدة الوطنية الدائمة التي لا تقبل الإنقسام لأجزاء ولا تلاحم وتنازع على سلطان ولا صراعات على المقامات فالكل في الكفاح سواء .
بنيت الشخصية السياسية الفلسطينية ودوافع سلوكها هذه في اللاوعي بسبب قوة القناعات والأفكار والإعتقادات التي مارستها في حياتها اليومية فكانت مسلماتها التي لا تتغير فسكنت اللاوعي السياسي الجمعي فأصبحت مندفعه نحوها دون حاجة لتفكير وإعادة الحسبان أو التردد في أي منها ما دامت أنها تصبو نحو ما أمنت به من قدسية الوطن ووحدته وتعدد الأحزاب واختلافها وخدمة القضية .
الواقع السياسي الفلسطيني اليوم أشبه ما يكون في حالة جنون أو مقدمات الإنفصام والبعد عن الترابط مع واقع القضية وأهداف النضال مقابل ما يمارس من سلوكيات سياسية على الأرض مما يجعلنا نجزم أن تحولاً وتغيراً حصل في اللاوعي السياسي الفلسطيني انعكس سلباً على السلوك السياسي الظاهر حيث فقدت الكثير من السلوكيات التي وصفت سابقاً بالمحرمات أو المسلمات لتصبح اليوم من العادات السياسية اليومية تقريباً في حياة السياسين مما ضيع الكثير من الحقوق وشتت الهوية وغيب القضية وأشغل الجميع في متاهات لا عودة عنها ولا خروج منها وبات الإنقسام سيدا أحاط الناس وغشى على وحدة الشعب وباتت المصالحة حلم يقظة لا واقع فيه .
وحتى يعود الوعي السياسي السليم لا بد من عودة إلى اللاوعي السياسي الفردي والجمعي والبحث في مكامنه عما أحدث فينا هذا الإضطراب إتجاه قضيتنا ووحدتنا وعندما يقتنع وعينا أن هناك خلل ما في داخل باطننا أو لاوعينا ونتحرر من سلبياتنا إتجاه بعضناً بعضاً سيكون هذا بداية العلاج وعودة وعياً السياسي السليم في قيادة قضيتنا نحو الوحدة والكرامة والتحرير وتصطف فلسطين في مقدمة الإهتمام من الجميع .
آمال أبو خديجة