هل وصلت الرسالة؟ سؤال إلى الدكتور/ صبري صيدم

بقلم: أيوب عثمان

هل وصلت الرسالة؟ سؤال إلى الدكتور/ صبري صيدم

وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في فلسطين

 

"هل وصلت الرسالة؟!" سؤال بلاغي كان الدكتور/ صبري صيدم قد اختتم به مقالاً تحت عنوان "التعليم... التعليم... التعليم"، نشره قبل أكثر من عام، وتحديداً في مايو 2014، ما يعني أنه كتب ما كتب وسأل ما سأل قبل أن يصبح وزيراً للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي.

اليوم، وبعد انقضاء أكثر من عام على سؤال الدكتور/ صيدم الذي أراد- وبقصدية تامة- أن يختتم به مقاله، هادفاً إلى إثارة ما ينبغي لنا أن نكون نحن قبالته وفي سياقه وما يتوجب عليه هو- وقد أصبح مقود العلم والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي الآن بين يديه- أن يتحرك صوبه لتحقيقه، وأن يحاول الإجابة عنه وعن كل سؤال يطرح في سياقه، اليوم .... وبعد هذه الأشهر الكثيرة التي مرّت على سؤال الدكتور/ صيدم الذي أرى- بل أكاد أجزم- أنه ما اختتم بهذا السؤال (المتورم حثاً وتحريضاً واستنهاضاً واستنكاراً) مقاله جزافاً أو اعتباطاً، فإنني أرجو أن أستأذن سيادته لأقول له إنني تشرفت في حينه بمحاولة الإجابة عن سؤاله، فأجبت: "لا... لم تصل"، في مقال نشرته تحت عنوان: "هل وصلت الرسالة؟ لا... لم تصل: جامعة الأزهر وجوائز البحث العلمي!"

لست أدري إن كان الدكتور/ صيدم قد قرأ هذا المقال الذي حاولت فيه أن أرد على سؤاله الغيور، بل سؤاله الطافح بالغيرة على وطنه وبالانتماء له واستنهاض الهمّة في سبيله! لست أدري! فإن كان قد قرأه، فإن لذلك معناه، وإن لم يكن قد قرأه حتى اللحظة التي زاد عمرها عن ستة عشر شهراً، فإن لذلك معناه، أيضاً!

في مقاله المنشور قبل نحو 16 شهراً تحت عنوان: "التعليم... التعليم... التعليم" يقول الدكتور/ صيدم: "نحن بحاجة إلى ثورة في التعليم وورشة مفتوحة تستمر لعامين تقريباً يجري فيها مراجعة شاملة للمسيرة التعليمية واقتراح الحلول العلمية والعملية والشروع فوراً بتنفيذها دونما إبطاء. علينا أن نمتلك الشجاعة لنواجه واقعنا التعليمي الأليم..." لا أجامل- أبداً- وأنا أضم الآن إلى قول الدكتور/ صيدم صوتي الذي سبق وأن ضممته إليه حتى قبل أن يستوزر ليركب صهوة هذه الوزارة بنحو ستة عشر شهراً، وربما يزيد!

صحيح أننا "بحاجة إلى ثورة في التعليم"، وصحيح أننا بحاجة إلى "ورشة مفتوحة تستمر لعامين يجري فيها مراجعة شاملة للمسيرة التعليمية، واقتراح الحلول العلمية والعملية والشروع فوراً بتنفيذها دونما إبطاء، وصحيح أن علينا أن نمتلك الشجاعة لنواجه واقعنا التعليمي الأليم..." ولكننا.... الآن، وبعد أن أصبح صاحب هذه الرؤية وهذا القول، الدكتور/ صيدم، هو ذاته صاحب الرسالة والفعل الحامل لهموم العلم والتربية والتعليم، نتساءل:

هل سنتحرك نحو ثورة في التعليم؟ متى ستتحرك: اليوم؟! غداً؟! بعد غد؟! متى نتحرك؟! ومن الذي سيحركنا؟! المرشح لمهمة التحريك هذه هو من كان صاحب الرؤية والقول فركب الآن صهوة الوزارة ليصبح صاحب الرسالة والفعل والثورة وورشة العمل لعامين لإجراء مراجعة شاملة للمسيرة التعليمية واقتراح الحلو العلمية والعملية والشروع فوراً بتنفيذها دونما إبطاء...".

فإذا كنا بحاجة إلى ثورة في التعليم- ونحن بالفعل واليقين كذلك كما يقول الدكتور/ صيدم الذي أصبح وزيراً للتعليم- أفلا تستوجب حاجتنا إلى هذه الثورة- ونحن بالفعل نحتاجها بل في أشد أحوالنا حاجة لها- أن نؤمن أهم الوسائل والعناصر والركائز لها؟! وأليس الصدق والوفاء والإخلاص والأمانة من أهم الأسس والركائز لهذه الثورة والذي بغيابها (غياب الصدق والأمانة) لن تنجح هذه الثورة ولن تنجح ورشة

العمل المرتبطة بها- حتى وإن استمرت لمائة عام متصلة- لأنها مع غياب الصدق والأمانة، لن تنتج إلا كذباً خطيراً يؤيده ويجامله ويصفق له كذب أكثر ودجل أخطر، وما أكثر الكذب والدجل وانعدام الأمانة في السياق الذي نتحدث الآن فيه، والذي إن سألني سيادة الوزير فيه، فإنه لن يكون أمامي إلّا أن أتقدم، أو أن أتراجع، وإن كنت ممكن لا يتراجعون- البتة- إلا إن اكتشفوا أنهم ليسوا على حق، وأحمد الله سبحانه.

إن العلم والتعليم- على نحو خاص- إذا قام على غش وخداع وتزوير وسرقة وتضليل وغياب الصدق وانعدام الأمانة، فإنها الطامة الكبرى التي تطال حتى أولئك الذين لم يمارسوا الغش ولا الخداع ولا السرقة ولا التزوير، فيصبح الصالح والطالح سواء، وهو ما حالٌّ بنا الآن، وسيلقى الدكتور/ صيدم لقاء حزمه وحسمه وعزمه وعزيمته على انتشال البيئة التعليمية الفلسطينية من حبائل الغش والكذب والخداع وسرقة الفكر والسطو على الكتب والمؤلفات كل الخير، مسبوقاً ومتبوعاً بأعظم آيات الشكر والثناء.

سيقول للوزير بعض الفاسدين من مزورين وسارقي أبحاث غيرهم والساطين على مؤلفات وأفكار سواهم أو الدائرين في أفلاكهم أن كاتب هذا المقال إنما يقول اليوم ما يقول لأن له مشكلة في جامعته، ولأنه مختلف على نحو كبير وخطير مع أركانها وكبرائها، على أمل أن يتمكنوا من حرف الوزير عن مسؤوليته، واشين له بأن الأمر شخصي وليس عاماً، غير أن السيد الوزير- الذي أعلم أنه يفكر بعقله لا بعقل غيره- إذا اطلع على الأمر فإنه سيجد أن أصل الخلاف وسببه هو الخلاف بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين الإصلاح والتعمير والتطوير وبين الفساد والتخريب والتدمير. سيعلم السيد الوزير- الذي لا يفكّر بعقل غيره إلا بعد أن يستجلي بعقله الأمر من كل أبعاده وزواياه- أن الأمر الذي سيأتي به إليه الواشون من الفاسدين و/ أو أعوانهم كان في الأصل قد بدأ بالنصح ثم بالنقد ثم بالكتابة والنشر عن الخراب في الجامعة ونهج التخريب فيها: عن البؤس في شكلها وفي مضمونها، عن الكرسي والطاولة التي لا يفرح الأستاذ بوجودهما، إلا لماما، عن أعمال الهدم والبناء والترميم الذي يحدث الضجيج الذي يعطل التعليم والتحصيل العلمي في أوقات الدوام والمحاضرات، عن خراب أبواب القاعات وشبابيكها التي لا تغلق إن فتحت وإن فتحت لا تغلق، عن دورات المياه التي لا عنوان لها إلا القذارة وهو ما يقوله رزوار الجامعة الرسميون وغير الرسميين، عن المياه المهدورة من الصنابير الخربة، عن مرافق الجامعة التي تعاني من السرقات تارةً ومن الخراب والتخريب والإهمال تارةً أخرى، عن سطو بعض (أكاديميي) الجامعة على مؤلفات غيرهم من أبحاث ودراسات وكتب، وعن تزوير بعضهم لوثائق ومستندات رسمية صادرة عن جامعات خارجية كجامعة القاهرة، وعن فساد المسؤولين التشريعيين والرقابيين في الجامعة، والذي تمثل في تعيينهم رئيساً للجامعة من ثبت لهم بالتحقيق فساده وتزويره وصدرت عقوبة الإنذار النهائي بفصله من الجامعة، وعن قاعات الدراسة ودورات المياه والردهات والممرات التي طفحت جدرانها (حتى جدران قاعات الدراسة لم تسلم هي الأخرى) بعبارات قذرة تخدش حياء بناتنا وأبنائنا الدارسين وتحط من الكرامة الآدمية، وكلها أمور اضطررت لإيداعها في مكتب النائب العام ولدى محكمة العدل العليا التي أصدرت قرارها منذ الخامس من يوليو الماضي، فيما امتنعت الجامعة حتى اللحظة عن تنفيذه، وهو أمر معناه في القانون "الامتناع عن تنفيذ الأوامر المشروعة"، والتي قال القانون الأساسي فيها رأيه عبر المادة 106 منه، كما قال قانون العقوبات رقم 74/1936 فيها رأيه عبر المادتين 142 و143 منه، علماً أن الامتناع عن تنفيذ أمر مشروع هو في القانون نوع من أنواع الفساد وجريمة من جرائمه، فكيف إذا كان الامتناع عن تنفيذ حكم قطعي أصدرته محكمة العدل العليا التي لا يرد قرارها ولا يطعن فيه ولا يستأنف عليه؟!

وبعد، فإن قول الدكتور/ صيدم في مقاله الذي نحن الآن بصدده: "إن الحقيقة ليست عيباً، بل إن العيب الحقيقي هو الاستمرار في المكابرة"، لهو قول تدفع صوابيته صاحبه إلى متابعته والسير بمقتضاه وملاحقته، لا سيما وإن مؤسسات كجامعة الأزهر، مثلاً، أساس العيب فيها هو أكابرها وكبراؤها، سواء كانوا في جهازها التشريعي والرقابي، ممثلاً في مجلس أمنائها، أو في جهازها التنفيذي ممثلاً في مجلس إدارتها بدءاً برئيسها!!!

فإذا كان الدكتور/ صيدم معنياً- وأعتقد أنه كذلك- بالحقيقة ووضع يده عليها والابتعاد عن المكابرة في الاعتراف بها، فإنه يستطيع ذلك- إن أراد- وبكل يسر وسهولة، طالما توفرت النية الصادقة لديه من ناحية، وطالما كلف بالمتابعة من هم أهل للصدق والأمانة.

أما آخر الكلام، فأرجو أن أستأذن سيادة الوزير لأذكره بما قال ولأؤكد له ومعه مرة أخرى على خطورة المكابرة، ممثلة في ابتعادنا عن الحقيقة وعدم تسليمنا بها، بل وإنكارنا لوجودها (كما هو موجود مثالاً لا حصراً في جامعة الأزهر!!!)، محذراً من خطورة أن "نجد أنفسنا ذات يوم أو ذات ساعة"، كما يقول، "ونحن نئن من أوضاعنا تحت وطأة أوجاعنا التي ربما لن نجد حينها ما يداويها!" وحيث إن الكلام للسيد الوزير، فإنني أستأذن سيادته لأحذره من مغبة أن يصبح قوله ونصحه ذات يوم أو ذات ساعة أو ذات لحظة عبئاً عليه، وهو يئن تحت وطأة الوجع منه وعدم قدرته على احتماله، أو الندم القاتل لأنه ذات يوم أو ذات ساعة كان قد حذر منه ولفت الانتباه إليه، ثم عقد العزم وهو في أعلى مراتب السلطة والقوة والسطوة على إنهائه، غير أنه اكتشف بعد مرور الوقت أنه ما كان في استطاعته إلا أن يقول ما قال، فما كان منه والندم يأكله والأوجاع تنهشه إلا أن استقال، وهو ما لا نريده، لا سيما وإن وزيراً للثقافة الفلسطينية كان قد اكتشف بعد استيزاره ما لم يكن يتوقع فاستقال، فضلاً عن أن وزيراً لشؤون القدس في زمن "القدس عاصمة الثقافة العربية" قد اكتشف هو الآخر بعد استيزاره ما لم يكن يحب، فاستقال هو الآخر!!!

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة