حوار الطرشان الفلسطيني

بقلم: راسم المدهون

 حديث "الوحدة الوطنية" بين حركتي "فتح" و"حماس"، وبالتالـــي بــــين سلطة الضفة الغـــربية وسلطة قطاع غزة لا وصف يعبر عنه بدقة أكثر من القول إنه "حوار طرشان". هو حــديث يحمل دائماً التطمينات وتسبقه البشائر ليعود وقد انخفض سقف التوقعات منه الى الحدود الدنيا بل إلى التشاؤم بسبب من اصطدامه كل مرة ببقاء الحالة الشاذة في قطاع غزة كما هي من دون أي تغيير جوهري يذكر.

كل البرامج التي تضمنتها الاتفاقات لم تستطع أن تتجاوز عتبة التوافق الفوقي، فيما السلطة الحقيقية تظلُ بيد الأجهزة "الحمساوية" التي تجعل الهروب من الاتفاقات سهلاً، حتى في أيامنا هذه، أعني أيام "حكومة الوحدة الوطنية" التي باتت عنواناً هلامياً تختبئ تحته تماماً حكومة إسماعيل هنية "المقالة" سابقاً، والمحلولة لاحقاً، ولكن الحاكمة والقابضة على كل صغيرة وكبيرة في القطاع الصغير المحاصر.

مشكلة القيادة الفلسطينية أنها عالجت شؤون المصير الفلسطيني بالكثير من قرارات وإجراءات حسن النية ولم تحاول مرَة مواجهة الحقيقة والتعامل مع الوقائع التي كانت تخلقها حماس وتراكمها يوماً بعد يوم: سابقاً أسست حركة حماس ممثلة بوزير داخليتها آنذاك سعيد صيام ما أطلقت عليه يومها "القوة التنفيذية"، وكانت السلطة الفلسطينية تعرف أن هذه القوة ليست سوى البديل لقوات الشرطة الفلسطينية الذي سوف تتأسس بها سلطة "حماس" المطلقة بعد ذلك، وهو ما حدث فعلاً وأصبح السمة الأساس والأهم للوضع السياسي والأمني في قطاع غزة.

التذكير بهذه الحقيقة لا يهدف كما يردد البعض نكأ الجراح، ولا إثارة الخلافات بين الفريقين الفلسطينيين الكبيرين، ولكن الإشارة، ربما للمرة الألف، إلى بدهية لا يمكن الهروب منها وهي أن المقدمات الخاطئة توصل لا محالة إلى نتائج خاطئة تتحول إلى وقائع مادية على الأرض وتراكم مشكلات جديدة تحتاج بدورها الى جهود جديدة ومضاعفة لإزالتها أو على الأقل للتخلص من آثارها الضارة.

لا نفهم مثلاً كيف تقبل القيادة الفلسطينية استمرار قيادة "حماس" في اختطاف واحتجاز الوزارات الحكومية في قطاع غزة بل ومنع وزراء حكومة الوحدة الوطنية من ممارسة عملهم بل ومنع الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة العتيدة من مغادرة الفندق بعد وصوله إلى مدينة غزة؟

يقال هنا إن سبب ذلك التراخي يعود الى حرص القيادة على عدم قطع حبل الحوار مع السلطة الحاكمة في غزة، ولكننا نراه ومن خلال تأثيره على مسار الحياة السياسية الفلسطينية قد تجاوز حالة الحرص ووصل منذ وقت طويل إلى حالة التراخي ما جعل قيادة حماس تستمرئ اللعبة وتواصل "حوار الطرشان" وفي الوقت نفسه العمل في غزة من خلال حكومة الظل التي هي الوزارات الحكومية الحمساوية التي كان على رأسها اسماعيل هنية وكانت تعمل سابقاً تحت اسم "الحكومة المقالة".

نقول ذلك ولا ننسى التذكير أن وجود حكومة وحدة وطنية فلسطينية لم يؤسس مثلاً لسياسة واحدة إزاء العلاقات الفلسطينية العربية وبالذات العلاقة مع مصر الشقيقة، وهي حالة لا تزال تتسبب في مزيد من المتاعب للمواطنين الفلسطينيين العاديين الذين يدفعون أثماناً باهظة لسياسة حماس المندفعة بلا حدود ولا اعتبارات في تأييدها للرئيس المصري المعزول محمد مرسي إنطلاقاً من اعتبارات أيديولوجية لا علاقة للشعب الفلسطيني بها لا من قريب ولا من بعيد.

مشكلة الحركة السياسية الفلسطينية على تنوعها واختلاف أحزابها أنها تمارس السياسة بعقلية العشيرة، فتعتمد في حلها للمشاكل الحقيقية أساليب التراضي وتقبيل اللحى وليس التوافق العميق المؤسس على القواسم المشتركة، أو على الأقل التوافق على برنامج من نقاط محددة يمكن أن تكون برنامج عمل يحكم عمل الحكومة ويكون أداة قياس للالتزام الحقيقي بالوحدة الوطنية، ويمكن تحكيم الشعب في تقييم ذلك الالتزام ودرجات حرص القوى السياسية المختلفة عليه.

هل هي شيخوخة الأحزاب السياسية الفلسطينية جميعاً؟ هل هي "دينامية الفساد" التي تجعل كل شيء قابلاً للفشل ومؤهلاً للسقوط في العبثية وفقدان الفاعلية؟

ربما شيء كثير من هذا وذاك، ومع ذلك فالسبب الأهم في تقديرنا هو حرص الأحزاب السياسية على اختلافها على مصالحها الفئوية المباشرة وحتى الصغيرة أكثر من حرصها على الشعارات الكبرى التي يجري الجدل من أجل تحقيقها بما في ذلك شعار الوحدة الوطنية.

راسم المدهون

* كاتب فلسطيني