اللوبي الاقتصادي الفلسطيني بطة عرجاء وبعين واحدة !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

تُعتبر فكرة إنشاء لوبي اقتصادي فلسطيني ضاغط صعبة المنال, وأحيانا مستحيلة لرأس مالي فلسطيني يعمل بالخارج دون أي إضافة حقيقية له في الاقتصاد الفلسطيني ودون مساهمة تذكر على الصعيد الاقتصادي, وهذا ما تؤكده الأرقام القائلة أن هناك استثمارات للفلسطينيين بالخارج تبلغ قرابة 80 مليار دولار, تلك الاستثمارات كبيرة نسبياً قياساً بما ينتجه الفلسطينيين بالأراضي المحتلة, إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني 7.2 مليار دولار, وعليه فإن تلك الاستثمارات بالخارج تفوق 11 ضعفاً الناتج الإجمالي الفلسطيني, مما يضع العديد من التساؤلات حول تلك الأرقام الضخمة, ودور السلطة والحكومة الفلسطينية في استقطاب جزء منها لاستثمارها في الاقتصاد الفلسطيني ؛ الذي يعاني من اختلالات بنيوية وهيكلية تتعمق مع مرور الزمن ناجمة عن النقص الحاد في حجم الادخار الوطني وارتفاع وتيرة الاستهلاك بنسبة تقترب من 130% من الناتج الإجمالي, والمُمول من ما يقدمه الغرب من منحا ومساعدات للسلطة الفلسطينية , أو بالأحرى ما يقدمه فقراء ودافعي الضرائب في الدول المُقدمة للمنح والمساعدات للسلطة الفلسطينية, ومهما كان مصدر تلك المساعدات إلا أنها لم تحقق منافع تذكر في أداء الاقتصاد الفلسطيني وتأثيرات ذلك على الواقع المعيشي, ويعود السبب في ذلك توجيهها نحو تمويل العجز المتنامي في الموازنة الفلسطينية العاجزة دوماً, موازنة تعتمد بالأساس على ضرائب القيمة المضافة( الضرائب غير المباشرة) والتي يتحملها الفقراء وذوي الدخول المنخفضة والثابتة؛ إضافة للمنح الخارجية في شكل جعل الاقتصاد الفلسطيني وسياساته الكلية مرتهنة للاحتلال الإسرائيلي من جهة ولما يريده المانح الذي قام بدور مأسسة القضية وعدم بحثه عن أي حلول لمشاكل التنمية الاقتصادية والاجتماعية واقتصار دعمه على تمويل النفقات الجارية للسلطة وتمويل الموازنة وعدم إنفاق إلا جزءاً يسيراً منها على قطاعات التنمية الاقتصادية, بمعني العمل على نفاذ المفعول لسياسات غير تنموية جوهرها " أعطيني كل يوم سمكة , ولا تعطيني أي فرصة أو أي أداة لتعلم فنون الصيد", وهذا يتضح مع اعتماد الفلسطينيين بدرجة كبيرة على المساعدات الخارجية الإغاثية منها أو النقدية وتحديداً في قطاع غزة الذي يعتمد قرابة 80% من أفراده على تلك المساعدات مما عمم ذلك ثقافة المساعدة بدلاً من ثقافة الإنتاج والعمل كقيمة إنسانية راقية وهادفة؛ عملاً يخلق قيماً اقتصادية حقيقية وتحقيقاً للذات التي بدأت تُفقد والسبب الانقسام السياسي وغياب الأفق الفلسطيني وتراجع الاقتصاد وانزلاقه نحو الأسوأ إضافة لسياسات حكومية غير عقلانية وكأن من يدير الاقتصاد بعيداً عن أدبيات الاقتصاد كيف لا وأن النمو في الإنفاق الحكومي لا زال أقل من النمو في حجم الإيرادات ولذلك مخاطر كبيرة ومنها استمرار التباطؤ في الاقتصاد بسبب التراجع في حجم الطلب الكلي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري, وعند النظر في بعض مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني يتضح أن هناك جملة من التناقضات؛ وجملة من الأزمات المتراكمة للاقتصاد الفلسطيني, ومنها الارتفاع المستمر في الموازنة الفلسطينية واستمرار عجزها الدائم وتمويلها من اللا إنتاج؛ فأن يكون إجمالي الموازنة الفلسطينية 5 مليار دولار في حين أن ودائع الجمهور الفلسطيني في البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية قرابة 9 مليار دولار ؛ إضافة إلى 80 مليار دولار استثمارات فلسطيني المهجر والشتات؛ تلك المتناقضات تؤكد أن رأس المال الفلسطيني لا يبحث عن أي استثمارات في الأراضي الفلسطينية التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني وإن حقق استقراراً فهو استقرار نسبي سرعان ما يتلاشى ويذوب كذوبان غزل البنات أو ما يسمى بالحلوى الهشة؛ لا زال رأس المال الفلسطيني هدفه الأول والأوحد هو الربح والعائد الاقتصادي على حساب المصلحة المجتمعية والوقوف في وجه السياسات الاقتصادية الإسرائيلية التدميرية , رأس المال الفلسطيني بالخارج جبان ؛ فلا يُعقل أو غير صحيحاً أن يتم تعميم نظرية أن رأس المال جبان , لأن هناك دوافع أخرى يجب توفرها في رأس المال الوطني , ويمكن بذلك الاستفادة من تجربة إسرائيل التي أسس رأسماليوها صناديق للإنقاذ والاستثمار في أنشطة الاقتصاد قبل إعلان الدولة بحوالي 4-3 عقود , استثمارات في الزراعة والصناعة وشراء الأراضي ( أشترى رأس المال اليهودي حوالي 13% من أرض فلسطين التاريخية حتى عام 1947م) , وبناء الكيبوتسات والتعاونيات والمدارس الزراعية وحقول البحث العلمي والتطوير, ومن خلال ذلك يمكن القول أن تكلفة فرصة العمل في الأراضي الفلسطينية تتراوح سنويا من 12-10 ألف دولار, وبالتالي فإن ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع البنية التحتية وتمويل المشاريع الزراعية ونمو الصناعة والخدمات وتقديم تسهيلات ائتمانية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة , من شأنه أن يُحدث نمو أكبر في الإنفاق وبالتالي الحد من المشكلات الاقتصادية , عبر خلق مزيداً من النمو في إجمالي الطلب الكلي , قد يتساءل البعض ماذا لو تم استثمار 15% (16 مليار دولار)من استثمارات الفلسطينيين بالخارج وتوجيهها نحو قنوات الاستثمار في السوق الداخلية ؛ فالمؤكد هو خفض معدلات البطالة وارتفاع النمو الاقتصادي بنسب عالية كفيلة بتحسن أداء الاقتصاد, قد يقول البعض أن هناك أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة في الأراضي الفلسطينية وبالتالي فشل أي مشروع اقتصادي وتنموي وهذا صحيحا, ولكن وجود الاحتلال لا يعني أن تبقى بلا تفكير وبلا تغيير, فالاحتلال لا يضع على رأسك الرسن ويجعلك خارج التغطية ,ولا يضع قفلاً حديدياً على جدار عقلك وتفكيرك, ولا يجعلك تدور في دائرة واحدة مغلقة, ولا كذلك يجعلك أسيراَ لُعرف الديك , هناك مشاريع ممكن تنفيذها وفقا للإمكانات المتاحة ,
وفي سياق آخر ؛ فلقد ساهم رأس المال اليهودي بالخارج وخلافا لرأس المال الفلسطيني عدة مرات في إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي وكبح جماح تأثره بالكثير من الأزمات الاقتصادية؛ ومنها مثلا تم تحويل 400 مليار دولار من بنك ليمان براذرز الأمريكي للمصارف الإسرائيلية قبيل أيام من تفجر أزمة 2008, كذلك عمل رأس المال اليهودي وعلى مرور السنين في دعم الاقتصاد الإسرائيلي وقبل ذلك في التجهيز لبناء دولة يهودية على أرض فلسطين واستخدم كافة الوسائل لتحقيق ذلك حيث كان محركاً وداعماً رئيسياً لحملات نابليون بونابرت في بلاد الشام, حيث أنه في إبريل 1798م تعهد اليهود بدعم فرنسا في فلسطين بالرجال والأموال" سيتدفقون جماعات لا من أجل الصناعة مزدهرة فحسب, بل لتحمل نفقات الثورة في سوريا ومصر, حيث كان هذا الدعم اليهودي لنابليون وجيشه يهدف لبناء دولة يهودية ذات نفوذ كبير, حيث يُعتبر نابليون بونابرت أول رجل دولة اقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين قبل وعد بلفور ب 118 سنة, بل أن وايزمان وصف نابليون بأنه أول الصهيونيين الحديثين غير اليهود, ولقد اختار نابليون الوقت الذي كان فيه في سوريا ضمن حملته الكبرى على الشرق للاعتراف بحقوق اليهود.
وفي الختام فإنه وعلى الرغم من أن استثمارات الفلسطينيين بالخارج قرابة 80 مليار دولار إلا أنها لم تشكل رافعة للفلسطينيين, ولم تساهم في تحفيز النشاط الاقتصادي الفلسطيني ولم يكن وطنياً بامتياز؛ حيث لم يدعم مشاريع اقتصادية قومية كتحلية المياه وشق الطرق وبناء المصانع وإنشاء المستشفيات ومراكز الأبحاث واستخراج والتنقيب عن المصادر الطبيعية كالغاز على بحر غزة وآبار النفط في بعض مناطق الضفة الغربية؛ كما لم يسعى لأن يكون له مساهمات اجتماعية كإنشاء بنك للفقراء والتمويل الأصغر والعمل على التخفيف من حدة الفقر, وبالتالي عدم قيامه بالعمل على تقليل التفاوت بين الشرائح المجتمعية وميل المجتمع الفلسطيني لمزيدا من اللا عدالة واللا إنسانية, لا زال رأس المال الفلسطيني بالخارج يحتاج لتوعية بما يحتاجه اقتصاد الوطن ولثقافة الوطنية ولرأس المال الباحث عن تشكيل تكتل اقتصادي أو لوبي ضاغط يدعم الإنتاج الوطني ويقاطع المنتجات الإسرائيلية ويقود الثورة البيضاء وهو بإمكانه ذلك.
بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة