مؤسسات دولة عظمى

بقلم: أسامه الفرا

من يعتقد أن صناعة القرار الفلسطيني تتم في غرفة مغلقة بالكاد تتسع للقليل من المقاعد الدوارة فهو مخطيء، ومن يشك أن القرارات الفلسطينية تهبط على حين غرة دون أن تخضع للكثير من التمحيص والتدقيق قبل أن ترى النور فعليه أن يعيد حساباته من جديد، ومن يدعي زوراً وبهتاناً أن المركبة تسير دون ضوابط مؤسساتية فهذا محض إفتراء يفضحه الواقع، ومن قال أن الطاقات الإبداعية التي يكتنزها شعبنا ولوحاته النضالية المشرقة لا تجد المؤسسة الحاضنة لها فهذا تشويه للحقيقة مع سبق الإصرار والترصد، ومن يشكك بأن الشعب مصدر السلطات يمكن له العودة إلى النصوص القانونية القديم منها والحديث.
الواقع الذي لا يجوز لأي منا تجاهله أو نكرانه هو أننا نملك من المؤسسات والأجسام ما لا تمتلكه الغالبية من دول العالم، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أننا نتفوق في ذلك على بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وليس من اليسير البتة استعراض منظومة العمل المؤسساتي التي من المفترض أن تحكمنا، لكن من المفيد أن نمر بعجالة على البعض منها، ولنبدأ بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها المظلة الحاضنة للكل الفلسطيني القريب منهم والبعيد، تقف على رأسها اللجنة التنفيذية ولكل من أعضائها دائرته التي يقف في مركزها وإن عجز عن الوقوف بعد أن أنهكته العقود لا ضير أن يجلس على مقعدة، ومن بعدها المجلس المركزي في حالة "ستاند باي لحين الندهة"، والمجلس الوطني وإن كانت المسافة بين إجتماع وآخر تتسع لأن تتبدل فيه خريطة المنطقة أكثر من مرة، فهذا لا ينفي عن أعضائه صفتهم التي يجوبون بها الوطن والشتات، وبين ذلك مؤسسات لا يعرف بباطنها سوى قلة، إختفى البعض منها وطفا على السطح آخر، ليس بالضرورة أن نعرف ما الذي دخل الصندوق وما الذي خرج منه كي نسلم بحقيقته.
ثم تأتي السلطة الفلسطينية وما أفرزته من مؤسسات لها بداية وليست لها نهاية، تقف على رأسها مؤسسة الرئاسة التي يسجل عليها البعض "حسداً وطمعاً" أنها تحمل أكثر من بطيخة في يد واحدة، ثم صاحبة السعادة الحكومة بوزاراتها وسلطاتها وهيئاتها، فمن لم يحالفه الحظ في وزارة يمكن أن نأتي به على رأس سلطة أو هيئة، ولدينا سلك دبلوماسي يصل حتى بلاد الواق واق، ليس بالضرورة أن نعرف ما يجري في نيكاراغوا، يكفي أن لنا فيها موطيء قدم، ولدينا بجانب ذلك حكومة ظل وظل الظل، ولا يمكن لنا أن نمضي دون التوقف عند صاحب العصمة "المجلس التشريعي"، الذي يقف عند الخط الفاصل بين الزواج والطلاق.
لم تشبع غريزتنا كل تلك المؤسسات التي تؤهلنا لدخول موسوعة غينيس، فجعلنا من فصائلنا كبرت أم صغرت أهرامات بمسميات تبدأ بالغفير وتنتهي بصاحب السعادة وبينهما العديد من المراتب التنظيمية التي تنافس مراتب المؤسسة الأمنية، وعلى إعتبار أننا دولة عظمى فكان لا بد أن نتمدد بهياكلنا التنظيمية إلى خارج حدود الوطن، ليكن لكل منها مكتبه "سفارته" الخاص به في هذه الدولة وتلك.
المرور السريع على منظومة المؤسسات التي نعيش في كنفها تجبرنا أن نمسك الخشب ونباهي أمام العالم بها، وتسمح لنا على مسمع ومرأى من الجميع أن نقارع أصحاب نظريات الإدارة القديم منها والحديث، دون أن نلتفت البتة إلى ما تفتقت عنها كل تلك المؤسسات في معالجة أو حتى وضع رؤية نعالج بها همومنا المستعصية من فقر وبطالة وخدمات تسير من سيء إلى أسوأ، هل يعقل أن نمتلك كل تلك المنظومة المؤسساتية والغائب الأكبر لدينا العمل المؤسساتي؟.

 أسامه الفرا