يحلل المراقب للوهلة الأولى تصرفات حركة فتح المتسارعة بشأن ترتيب الأوضاع المؤسساتية للمنظمة وللحركة وبشكل كبير أن الأمر يتعلق بإصلاحات انتظرها كثيرا جمهور تلك الحركة؛ بينما على أرض الواقع ما يحدث هو تعزيز للخلافات الداخلية على صعيدها كما أنه توتير للأجواء الوطنية، لأن كلمة الديمقراطية باتت حقا يراد به باطل نظرا للوقائع وليس للتحليل.
حينما قررت حركة فتح أن تحرر الشعب الفلسطيني من فساد سلطة دام عقدا ونصف أجريت الانتخابات فكانت مقاساتها نزيهة ومزاجها شعبيا؛ فهزمت الحركة أمام حماس ثم بدأت لعبة "خمسة بلدي" من رجل أمنهم الأول الذي هو الآن مفصول من الحركة بسبب تلك السياسة التي ما زالت هي وسيلة الحركة الوحيدة لتصفية الآخر أو حتى أي شخص داخل الحركة أمام الأقوى.
وحينما استفردت حركة فتح بالضفة الغربية دون قرار تشريعي أو انتخابات أقدمت على خطوات هي ديمقراطية بظاهرها غير أن واقعها ونتائجها بعيدة كل البعد عن تلك الأجواء؛ فجاء تشكيل حكومة بما يسمى "المرسوم الرئاسي" الذي يلغي دور كل القوانين الديمقراطية وهي حال الرجل الواحد والتسلط، ثم جاء دور البلديات التي انتزعت منها الشرعية من حركة حماس والفصائل الأخرى التي انتخبت فيها وقررت عقد انتخابات فيها فكانت تهميشا لرأي الشارع وفشلا في التجربة في غالبية تلك المجالس التي جاءت الديمقراطية فيها بمقاسات حركة فتح فاستقال من استقال وفشل من فشل وعربد من عربد.
كما أن فكرة الديمقراطية حاولت الحركة تطبيقها داخل أروقتها بحجة المؤتمر السادس فكانت تصفية حسابات وإقصاء بحسب المزاج؛ وهذا حديث قادتهم وليس تحليلا ليعكس المؤتمر أزمة كبيرة في داخل الحركة التي طلقت الديمقراطية منذ زمن حتى أنها لم تقبلها لشعبها في العام 2006.
والحديث يطول حول الاستفراد بالمفاوضات غير المهنية مع الاحتلال والمؤتمرات المجانية والتنسيق الأمني والفشل المالي وفساد السلطة و"الشحادة السياسية" وغيرها من المشاكل الكبيرة التي تستشري في الضفة الغربية التي دخلها مليارات الدولارات وحتى اللحظة لا تصل المياه لوسط المدن؛ كما أن البنية التحتية حدث ولا حرج ولا يوجد حتى رصيد احتياطي راتب أو اثنين للموظفين!!.
تفطنت مجددا حركة فتح لما تسمى الديمقراطية التي تحتاجها دائما لإشباع رغبة التسلط لبعض الأشخاص؛ فكانت فكرة تهميش الفصائل واتفاق القاهرة والإطار القيادي لمنظمة التحرير والإعلان عن البند 14 ج لعقد المجلس الوطني ليتم انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحالة التوريث التي بدأت تلوح بالأفق، تزامنا مع فكرة المؤتمر السابع الذي تعطل عدة مرات حتى "يطيب الهوى" وترتب الأوراق التي تخدم المصلحة.
بعد هذا السجل الحافل بات كل فلسطيني يدرك أن الديمقراطية لعبة تقرر حركة فتح دخولها في حال أعلن الفريق الفائز مسبقا وتواصلت تلك العقلية حتى وصل بها إلى تعطيل اللعبة ككل في حال لم يعلن اسم الشخص الفائز في داخل الفريق الفائز مسبقا بمزاجها ونتيجة لتلك العقلية تعطلت كل المؤسسات الوطنية وباتت مختزلة بالمرسوم الرئاسي الذي له موسمه بحسب التقديرات التي تراها "القيادة"!!.
في حركة فتح "من لم يفصل بالديمقراطية المفصلة فصل بالمرسوم الرئاسي أو التخوين والإقصاء وهذه المعادلة سارية على قيادات وأفراد داخل الحركة والفصائل الأخرى والشعب".
بقلم/ محمد القيق