اتفقنا أم اختلفنا حول مدى دفة استطلاعات الرأي في فلسطين، إلا أن نتائجها في الغالب تأتي متقاربة، وهو ما ينفي عنها صفة الإستطلاعات الموجهه التي يمكن أن يتكفل بها مركز تأتي نتائج استطلاعه في الغالب مطابفة لرغبات القائمين عليه والتابع لهم، ما يعنينا هنا أن نتائج استطلاعات الرأي على مدار السنوات السابقة دوماً ما وضعت مروان البرغوثي في موقع متقدم في سباق المنافسة على رئاسة السلطة الفلسطينية، وسبق له أن أعلن عن نيته الترشح للإنتخابات الرئاسية السابقة قبل أن يتراجع عن ذلك في اللحظات الأخيرة.
دار الجدل كثيرا داخل مؤسسات حركة فتح حول ضرورة الفصل بين الحركة والسلطة الوطنية، حيث أثبتت السنوات السابقة بأن حركة فتح دون غيرها من يجني سلبيات السلطة والحكومة، فيما إيجابياتهما يجني ثماراها بالعادة من هم خارج دائرتها، وفي ذات الوقت ادى الانصهار بين الحركة والسلطة إلى ترهل الوضع التنظيمي، والفصل بينهما لا بد وأن يبدأ بالفصل بين رئاسة الحركة ورئاسة السلطة، ولعل الواقع يحتم علينا فعل ذلك اليوم فبل الغد، ولماذا لا يتم التفكير بأن يكلف مروان البرغوثي برئاسة الحركة وبخاصة في هذه المرحلة؟.
ما يدفعنا لطرح هذا التساؤل جملة من العوامل، أولها أنه يحظى بقبول واسع وبخاصة لدى الجيل الشاب في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة حيث الثقل الأساس للعمل التنظيمي، وهو يعتبر طبقاً لمعيار القيادة من الجيل الشاب، وثانياً أنه عمل لسنوات طويلة في تفاصيل العمل التنظيمي بدءاً من العمل الطلابي مروراً بقيادة الانتفاضة وصولاً إلى الخلية الأولى في الحركة، وثالثاً أنه لم يدخل خلال السنوات القليلة السابقة معترك الإستقطاب والتكتلات تلك التي جعلت من أدوات الطرح والقسمة والضرب أدوات لها، وهو ما يمنحه القدرة على إعادة بناء الحركة مستنداً على أداة الجمع في ذلك، ورابعاً أنه يحظى بإحترام الفصائل الفلسطينية المختلفة وهو ما تحتاجه الحركة في هذه المرحلة لإلتفاف الكل الفلسطيني خلف المشروع الوطني، وخامساً يشكل تكليفه بهذه المهمة رسالة واضحة لحكومة الاحتلال بأن حركة فتح بصدد مراجعة شاملة لبرنامجها.
ادرك أن طرح الموضوع يثير حفيظة البعض، ولن يكون بالأمر الهين التوافق على ذلك داخل اللجنة المركزية، خاصة وأن من يصطف منهم رافضاً للفكرة أكثر من داعميها ومؤيديها، وقد يتسلح الرافضون بأنه ما زال يقبع خلف القضبان وبالتالي كيف يمكن له أن يدير دفة الحركة من خلف القضبان؟، فد يكون ذلك صحيحاً، لكن بالمقابل ألا يشكل تكليفه بهذه المهمة ضغطاً على حكومة الاحتلال للإفراج عنه، وفي ذات الوقت ألا يكفل ذلك للحركة بأن تعيد إلى روحها العمل المؤسساتي البعيد عن النزعات الشخصية؟.
قد يذهب البعض إلى توصيف الطرح بأنه قفزة في الهواء لا يمكن التنبؤ بمستقر لها، لكن بالمقابل ألا ينبئنا الواقع الذي تعيشه حركة فتح ومستقبلها المنظور بضرورة البحث عن اصحاب القواسم المشتركة، الذين بإستطاعتهم تجميع الكل الفتحاوي كي تتمكن الحركة من مواصلة قيادتها للمشروع الوطني ومواجهة التحديات الخطيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، قبل أن يطوي البعض الفكرة بداعي عدم واقعيتها، من المفيد أن نمعن قراءة الحاضر والمستقبل.
د. أسامه الفرا
[email protected]