لا مبالغةَ في القول إن منظمة التحرير الفلسطينية تقع في قلب ووجدان كل فلسطيني أينما توجد باعتبارها الهوية والكيان السياسي وممثله الشرعي والوحيد، بل تجسيد أيضا لجملة من الهموم التي احتلت فكرَه طوال حياته.
سنوات عديدة مرت جرت خلالها محاولات كثيرة وجادة من قبل شخصيات وطنية صادقة، مستقلة وفصائلية، لانهاء الانقسام الكارثي واستعادة وحدة منظمة التحرير، وإعادة بنائها، وتفعيلها، لتستعيد مكانتها كحركة تحرر وطني، وكإطار للوحدة الوطنية، وهنا ارى نحن اي مجلس وطني نريد، هل ننجح في التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام في المجلس الوطني القادم ، وهل سيطبق المجلس الوطني وثيقة الاسرى وقرارات المجلس المركزي، ويعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودوائرها ومؤسساتها ومنظماتها الشعبية على ارضية شراكة وطنية حقيقية.
وهنا يتجدد التساؤل ومن حقنا ان نعرف هل بأنتخاب اللجنة التنفيذية الجديدة ستسود الديمقراطية الفلسطينية ،و استعادة المنظمة لدورها كحركة تحرر وطني موحدة للشعب الفلسطيني وكل قواه الوطنية، متمسكة بالحقوق والثوابت الوطنية، ورافضة لأي تنازل عن أي من هذه الحقوق، أو المساومة عليها، وخاصة حق العودة، سيشكل عقبة كأداء في وجه المخططات الأمريكية و"الإسرائيلية" التي تستهدف ضرب الثوابت الوطنية الفلسطينية.
اقول ذلك ونحن نرى المؤامرات التي تحاك لتصفية الحقوق الوطنية المشروعه للشعب الفلسطيني من معظم أطراف النظام الرسمي العربي المرتبطة بالسياسة الأمريكية والخاضعة لهيمنتها، ومن قوى دولية واقليمية وداخلية ، وخاصة ان اتفاقية أوسلو ساهمت في إضعاف المنظمة وتغييبها عبر إذابتها في إطار السلطة الفلسطينية، لينحصر دور المنظمة الضعيفة في الخضوع للسلطة، وابقاء المنظمة فقط للاستفادة من شرعيتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
ويتذرع معرقلو تطوير المنظمة، وتفعيلها، بالكثير من المبررات، لا أحد ينكر أن هناك مشروع نقيض للمشروع الوطني في الساحة مستمر ومستفيد من حالة الانقسام وهو اليوم يوجه ضربة قاصمة للوحدة الوطنية الفلسطينية ولوحدة الشعب الفلسطيني نفسه، وأضر بمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويسعى لتمرير مشروع بلير التأمري لفصل قطاع غزة عن الكيان السياسي الفلسطيني، وخاصة في ظل تصعيد الاحتلال الصهيوني من عنصريته وعدوانه وتشنجه ضد شعبنا وحقوقنا الوطنية.
ان تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها واستعادة مكانتها التوحيدية، ودورها هي امانة بمسؤولية اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني والامناء العامين للفصائل والقوى والاحزاب ، لقطع الطريق على أية محاولات داخلية لزيادة حالة الانقسام. باعتبارها إطار وحدوي، وكحركة تحرر وطني، مما يستدعي عمل ديمقراطي حقيقي وجاد في منظمة التحرير ومؤسساتها تجعلها قادرة على تعبئة ستة ملايين فلسطيني في كافة أماكن تواجدهم تخلق منهم قوة حقيقية في المنطقة قادرة على فرض إرادته، من خلال تعزيز مكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي، وفي مواجهة الكيان الصهيوني، والمخططات الأمريكية ، وهي مخططات تمس بكل الثوابت الفلسطينية و تطال حق العودة، من خلال توطين اللاجئين في مناطق السلطة، وحدود الدولة الفلسطينية، ومقومات استقلالها، وتبادل الأراضي مع "حكومة الاحتلال" على حساب تجمعات سكنية كبيرة من الفلسطينيين العرب داخل الخط الأخضر (عرب الـ48) وبقاء الثقل الاستيطاني "الصهيوني" داخل أراضي الضفة الفلسطينية، كما تطال حقوق الشعب الفلسطيني في القدس العربية، واستعجال موضوع التطبيع العربي مع "حكومة الاحتلال"، وقضايا أخرى كثيرة.
لهذا نرفع الصوت لنقول ان على المجلس الوطني مهمة شاقة وليس رفع الايادي والتصفيق والخطابات الرنانة بل اعطاء الأولوية للعمل الكفاحي والنضالي, العمل على تصعيد المقاومة بشتى أشكالها وألوانها دون أن ننسى أهمية العمل السياسي والدبلوماسي ، لقد جربنا في السنوات الماضية تكتيكاً معيناً وبرنامج عمل معين , لكن ندعو لاتباع تكتيك آخر وبرنامج عمل يكون خاضعا للتقييم والمراجعة ، من اجل تقوية منظمة التحرير وتطوير وتفعيل مؤسساتها، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة قوية وقادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها قضيتنا وشعبنا وتفعيل حركتها الشعبية، ومواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها قضيتنا وشعبنا، ووضع برنامج نضالي ملتزم بالثوابت الوطنية لمواجهة كل التحديات والمؤامرات التي يتعرض لها شعبنا وحقوقه الوطنية.
إن عقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني امام الاوضاع الخطيرة التي يشهدها الوضع العربي, هي مهمة شاقة ، ونحن نرحب بذلك لانه اصبح من الضروري عقد المجلس الوطني الفلسطيني في ظل الظروف المحدقة بالساحة الفلسطينية ، ونتيجة الهجمة الامبريالية والصهيونية بدعم القوى الارهابية التكفيرية لنشر الفوضى وتعميمها وتقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية كل ذلك الهدف منه الوصول لتصفية القضية الفلسطينية وليس تسويتها هذه هي نتائج كافة جولات المفاوضات التي جرت على مدار اكثر من عشرون عاما , بل إن عملية الاستيطان مستمرة أثناء المفاوضات , والقدس يتم تهويدها وسياسة العدوان والاعتقال مستمرة ، اضافة الى ما تعانيه المخيمات الفلسطينية من كارثة نتيجة خطف اكبر مخيمات الشعب الفلسطيني في سوريا مخيم اليرموك من قبل قوى ارهابية تكفيرية ، ومن ثم اليوم يتعرض مخيم عين الحلوة لكارثة اخرى من قبل مجموعات ظلامية ارهابية ، كل هذه الاوضاع تتطلب من قبل كل فصائل العمل الوطني ومنظمة التحرير الوقوف الوقوف امام ما يتعرض له أبناء شعبنا في مخيمات سوريا من قتل وتشريد، وما يتعرض له أبناء شعبنا في مخيمات لبنان وخاصة مخيم عين الحلوة وانقاذه قبل فوات الاوان من خلال انهاء هذه الظاهرة الخطيرة التي تمس شعبنا وفصائله الوطنيه ، حيث تتزامن أوضاع المخيمات مع القرارات المجحفة "لوكالة الأونروا" في محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، والعمل على شطب حق العودة ، مما يستدعي التحرك على كافة المستويات من اجل الضغط على الدول المانحة والدول العربية بدعم موازنة الأونروا للأستمرار في تقديم خدماتها وتحسينها كما ونوعا على الأقل في ظل هذه الظروف الصعبة، وان التصدي لهذه المؤامرات يحتاج الى موقف سياسي واضح يضمن وحدة الشعب ورسم استراتيجية وطنية تعمل على تغيير ميزان القوى تدريجياً , بحيث نصبح قادرين على فرض الحقوق الوطنية وقرارات الشرعية الدولية ، وهذا يستدعي رفض العودة الى المفاوضات والذهاب لمؤتمر دولي تشترك فيه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد ، ورفض أي تنازل أو مساومة على أي من حقوقنا الوطنية وخاصة حق العودة، أو التناغم مع القوى الخارجية التي تراهن على ضعف منظمة التحرير وإخضاعها للشروط المجحفة بحقوق شعبنا.
ومن هنا نلاحظ ونرى بأن اغلبية القيادة والفصائل بعيدة عن الشعب الفلسطيني، اضافة ان القيادات الهرمة في الفصائل الفلسطينية تمنع وجود قيادات شابة لتقود المرحلة او قيادات لها كفاءاتها وبالتالي تمنع تطوير البرامج السياسية التي تتبناها ، حيث للاسف ان البعض ممن يتحكم في هذا الفصيل او الحزب يمنع اي تصريح او موقف ، وكأن القيادة ملكه الشخصي ، فلم يعد هناك ديمقراطية ، ولم يعد هناك قيادة جماعية ، حيث يريد البعض منهم ان لا يتم الحديث عن الدورالتاريخي والسياسي لهذا التنظيم او ذاك ، بل يريد الآن المحافظة على امتيازاته المادية والمعنوية والمنصب، كل ذلك يضعف من هيبة التنظيم، ويزيد من تآكل شعبيته وحضوره عند الجماهير، لهذا على القيادات ان تأخذ "هدنة كلام" و"فترة صمت"، اذ لم تريد ان تعطي للديمقراطية وللقيادة حقها في ممارسة دورها ، فنحن بحاجة الى خطوات عملية وإنجازات جدية وحقيقية، وليس لشعارات وتصريحات والعمل على أرض الواقع، فالواقع الفلسطيني يؤشر الى أننا نتجه نحو كارثة حقيقية، حيث الاحتلال يتقدم في مشروعه على الأرض، ونحن مستمرون في الجدل البيزنطي وشعبنا في الشتات يدفع فواتير كبيرة منها الاحداث التي تجري في مخيمات لبنان وسوريا ومنها الهجرة التي تقوم بها سماسرة على اعلى المستويات ، والإنقسام يتكرس ويتشرعن ويستطيل مداه، والفوضى العارمة والانفلات تسودان جناحي الوطن، حيث تفكك النسيج المجتمعي والوطني.
وامام كل ذلك نقول ان عقد هذه الدورة للمجلس الوطني وامام حالة الانقسام ، يتطلب تشكيل لجنة من شخصيات صادقة ومخلصة وحريصة فعلاً على وحدة المنظمة وتقويتها، بحيث تتولى هذه اللجنة التواصل مع كل القوى السياسية والفصائل والأحزاب وهيئات المجتمع المدني، للإعداد لعقد دورة للمجلس الوطني الجديدة وفق وثيقة الوفاق الوطني لعام 2006 ، واتفاقات المصالحة التي تم التوافق عليها في الحوار الوطني فيما يخص إعادة بناء منظمة التحريرالفلسطينية.
ختاما لا بد من القول : ان تقوية منظمة التحرير الفلسطينية بحاجة الى ضخ دماء جديدة في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ليس من خلال الإضافات والمحسوبيات ، بل من خلال الكفاءات والقدرات حتى يبقى المجلس الوطني البرلمان الفلسطيني المدافع عن حقوق شعبنا والقادر على تعزيز الوحدة الوطنية، وإصلاح واقعنا الفلسطيني وتقويته، فهنا يتبين المقياس الحقيقي للمجلس الوطني ومدى حرص المشاركين فيه على حقوق شعبنا، وجديتهم في العمل على تحقيقها.
بقلم/ عباس الجمعة