حدس ورؤيا في فن ناجي العلي الكاريكاتيري

بقلم: سليمان الشيخ

تجمعت في الذكرى الثامنة والعشرين على وفاة الشهيد ناجي العلي توفي في 29/8/1987 بعد أن تم إطلاق النار عليه في 22/7/1987 مجموعة من الحوادث والوقائع والترميزات، ولأن ذهن ناجي الإبداعي كان يعج بالأفكار والرموز والترائي للحاضر والمستقبل، ويعالج ذلك بسخرياته اللاذعة التي كانت تزعج كثيرا بعض السلطات، إلا أنها كانت ترضي وتستجيب لمطامح وآمال أغلبية من الناس. لذا فإن إجماعا غالبا كان بين أغلب الناس في التأثر بلذعاته الساخرة اليومية التي كان يجسدها في صحف عدة، مما كان يجمع خميرة كان يبني عليها الناس غضبهم وتبرمهم بواقع ووقائع حياتهم.

من المفارقات التي جمعت وتجمعت في الذكرى الثامنة والعشرين على وفاته، يمكن تسجيل الوقائع والترميزات التالية، التي تبين أن أعمال ناجي ما زالت تستوحي وتستبطن مفاصل مهمة من حياتنا وربما مستقبلنا. من ذلك على سبيل المثال انه وفي السابع والعشرين من آب/أغسطس من هذا العام 2015، أي قبل يومين من موعد ذكرى وفاته الثامنة والعشرين، وبينما كان اثنان من العمال يعملان على إزالة بعض الزبالة، من مكب قريب بالصدفة من بيت ناجي الأول في مخيم عين الحلوة، بالقرب من موقع الجميزة، فإن أحد العمال أطلق النار على الآخر فأرداه قتيلا، ربما على خلاف يتعلق بهذه الشريحة من الزبالة، والحديث عنها يملأ لبنان منذ أسابيع عدة وحتى اليوم، من دون الوصول إلى مخارج مرضية، تجنب الناس الأمراض وخسارات دفع الأموال إلى شركات تغالي في أسعار معالجة هذه المشكلة، إضافة إلى ما تتركه الزبالة من آثار سيئة على البيئة.

ما يجدر ذكره أن فوضى السلاح بين الأفراد في مخيم عين الحلوة، من دون رقيب أو حسيب حقيقي، تحيل أي مشكلة صغيرة إلى مشاكل متعددة الفروع والرؤوس التي قد لا تنتهي إلا بإسالة الدماء بين فترة وأخرى.

وقبل اغتيال فنان الكاريكاتير الملهم ناجي العلي بيومين في لندن، فإن صحيفة "القبس" الدولية، نشرت له رسما لطفلين يتصايحان بغضب في مزبلة، فيصيح أحدهما في وجه الآخر: "هاي المزبلة مش لأبوك" فيرد الثاني: "وهاي المزبلة مش لأبوك كمان". ولأن ذهن ناجي العلي المبدع الابتكاري كان يعج بالأفكار والترميزات، فإنني أجتهد بأن القصد من الرسم هو الصراع على سلطة تعج بالفساد والإفساد، وإنها ليست من ممتلكات هذا الشخص أو الفريق أو غيره. هي مجرد صدفة في تلاقي الحادثتين، ولأن الصدف تحولت في ذهن وأفكار المرحوم محمود أمين العالم إلى "علم"، فأوجد لها مبرراتها وشروطها ووقائع لتقعيدها، فإن هذه الصدفة عند الرائي ناجي العلي اكتملت في وقائع الحادثتين المؤسفتين، لتمثلا واقعا من وقائع الصدفة.

كاتب فلسطيني

سليمان الشّيخ