مسلسل الحرق والذبح والموت بحق أبناء فلسطين والأمة العربية متواصل،والنبكة الفلسطينية المتواصلة أيضاً،ويبدو أنه بفضل حروب التدمير الذاتي العربي والعدوان المستمر على الأمة العربية،إستتبعتها نكبات عربية على نحو أشد واوسع،الموت والدمار منتشر في كل العواصم التي إجتاحتها ما يسمى ب"ثورات" الربيع العربي،والناس تفر هائمة على وجوهها من الموت من اجل البقاء على الحياة،وليس من اجل عيشة آمنة،في ليبيا والعراق وسوريا واليمن،والفرار من رائحة الموت والدمار،ليس نحو البلدان التي ساهمت وشاركت في تدمير بلدانهم باموالها ونفطها،فهي التي وعدتهم بالحرية والديمقراطية واللبن والعسل، ترفض إستقبالهم وتوفير العيش الكريم لهم،بل تجاه البلدان الأوروبية التي كانت عواصمها أرحم عليهم،من أبناء جلدتهم الذين ورطوهم في حروب التدمير الذاتي.
المحتل الصهيوني يطلق العنان لسوائب مستوطنيه لكي يمارسوا القتل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني،فكانت جريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً في 2/7/2014،بمثابة "هلولوكست" جديد في القرن الحادي والعشرون،وفصول الجريمة البشعة تلك،لم تغلق ولم تنتهي،فالقتلة والمجرمين ما زال قضاة الإحتلال وحكامه يبحثون لهم عن مخرج،لكي يفلتوا من العقاب مرة بإدعاء ان اثنين من القتلة المجرمين قاصرين واخرى بأن المتهم الرئيسي مضطرب ومختل عقلياً وغير سوي نفسياً،ولم يمضي عام على تلك الجريمة حتى أقدم القتلة من سوائب المستوطنين على جريمة أخرى بحرق عائلة باكملها في قرية دوما الفلسطينية،حتى اللحظة استشهد الرضيع علي الدوابشه ووالده سعد ولتلتحق بهم والدتهم رهام،وليبقي شقيقه الأخر احمد في حالة الخطر الشديد،جريمة مكتملة كل أركانها،ولكن القتلة الذين يتوعدون بحرق المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني،ما زالوا طلقاء يهددون ويتوعدون،ووزير جيش الإحتلال يعالون حدد العقوبة سلفاً لهذه الجريمة،هي الإعتقال الإداري لمن ارتكبوا هذه الجريمة البشعة، لا هدم بيوت ولا طرد ولا ترحيل لعائلات وأسر مرتكبيها،كما هو حال العقوبات الجماعية بحق أسرة الشهيد غسان ابو جمل منفذ عملية الكنيس اليهودي،هو وابن عمه الشهيد عدي ابو جمل.
وجرائم المستوطنين بحق شعبنا،سبقها جرائم بحق شعب كامل في قطاع غزة،واجه ويواجه أبناءه الموت كل يوم من خلال حصار مستمر يدخل عامه العاشر،وثلاثة حروب شنت على شعب أعزل ألقت فيه طائرات الإحتلال مئات الأطنان من القنابل والأسلحة المحرمة دولياً لتقتل الألآف وتشرد عشرات الألآف وتبقيهم في العراء دون مأوى.
في عالمنا العربي مسلسل الذبح والحرق والموت متواصل بلا توقف،والمشاهد اليومية للقتل والذبح والخراب والدمار،تؤشر الى ان اوطاننا ضاقت بأبنائها،حيث مخيمات اللاجئين السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين منتشرة في كل دول الجوار في ظروف تفتقر الى أبسط مقومات الحياة البشرية والإنسانية،وتمارس كل أشكال الإستغلال والتعذيب وإمتهان الكرامة بحق هؤلاء اللاجئين،فلا عمل بكرامة ولا معاملة لائقة،ناهيك عن الإستغلال الجنسي للنساء والفتيات،حيث أصبحت تجارة الجنس والدعارة والقوادة لحساب الباحثين عن اللذة الجنسية من أغنياء وأثرياء الخليج رائجة،وينتشر أبناء المخيمات على الأرصفة والطرق والشوارع كباعة متجولين او متسولين،بلدان كانت مزدهرة تنعم بالإستقرار والأمان،بل مزدهرة ومتقدمة اقتصاديا قياسياً بالبلدان العربية الأخرى تحديدا العراق وسوريا،تحولت الى دول فاشلة يعمها الخراب والدمار.
فقراء اليمن يذبحون لا ذنب لهم سوى انهم يريدون نظام يعبر عن امانيهم وتطلعاتهم،ويوفر لهم شيء من العدالة الإجتماعية،وينتشلهم من الجوع والفقر والتخلف،ويخلصهم من حكام فاسدين،هم وعائلاتهم ينهبون خيرات وثروات البلد،ويستولون على اموالها،ولكن هناك من لا يريد لهم ذلك،بل يريد أن يبقي وصايته وسيطرته عليهم بالقوة والنار.وطائرات وجيوش عربية تهاجمهم كل يوم وتعمل القتل والذبح فيهم،لم نسمع بها ولم نراها في معارك الدفاع عن فلسطين أو العزة والكرامة وحماية السيادة الوطنية العربية،لا أثناء الحرب العدوانية على لبنان والمقاومة في تموز /2006،ولا في الحروب الثلاثة التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة وآخرها في العام الماضي.
اما سوريا والعراق والمستهدفتان بشكل أساسي في مشاريع حروب التدمير الذاتي والفوضى الخلاقة،حيث الجماعات التكفيرية والجماعات المتسترة بالدين من "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" و"جند الشام" و"احرار الشام " و"السلفية الجهادية" وغيرها،فهي تمارس القتل بحق المواطنين ممن تعتبرهم معادين ورافضين لفكرها وعقيدتها سواء من أتباع النظام او غيره،بأبشع الطرق وبوسائل قتل وحشية وبوهيمية مبتكرة لم يعرف لها التاريخ البشري مثيلاً حتى على يد التتار والمغول وغيرهم.
وتلك العصابات عملت على ترحيل وتهجير طوائف باكملها كم هو حال مسيحيي العراق وسوريا واليزيدية العراقية.
وهرباً من جحيم الموت والدمار والذبح بطرق وحشية،خرج مئات الألآف إن لم يكن الملايين في رحلة لجوء من بلدانهم الى البلدان الأوروبية،بعد أن ضاقت بهم بلدان أبناء جلدتهم،الذين كانوا يذرفون عليهم دموع التماسيح،ويريدون لهم "الحرية" و"الديمقراطية" من جحيم وظلم وإستبداد انظمتهم،في وقت كانت اموالهم وأسلحتهم المزودين بها للجماعات التكفيرية والإرهابية ،هي من تسفك دماءهم وتدمر بلدانهم.
خرجوا في رحلات محفوفة المخاطر بطرق غير شرعية طلباً للنجاة وغريزة حب البقاء والحياة دفعتهم لذلك،لكي يقعوا ضحايا وفرائس في العديد من الرحلات لتجار وقوادين عديمي الضمير والقيم والأخلاق،لكي يغرقوهم في غياهب البحار،أو يتخلوا عنهم في منتصف الطريق او الصحاري،لكي يموتوا جوعاً وعطشاً، أو التحلل في البرادات المثلجة على الحدود لتتحلل جثثهم،او تتقاذف شواطىء البحار جثث الغارقين منهم،كما حصل مع اللاجئين السوريين مؤخراً،أو التوسل لرجال الحدود الأوروبيين من اجل السماح لهم بالعبور والمرور.
معانيات ونكبات فلسطينية وعربية مستمرة ومتواصلة،قتل وذبح وحرق وموت مستمر،والمأساة والطامة الكبرى،ليس القتل بأيدي الأعداء،ولكن عندما يكون ذلك بأيدي وادوات عربية وبمال عربي وسلاح مدفوع الثمن من قبل مشيخات النفط والكاز.
النفط والكاز العربي بدل ان يكون نعمة للعرب من اجل إحداث تنمية ونمو وتطور اقتصادي وتحقيق اوسع عدالة اجتماعية وتقدم علمي وتكنولوجي،كان وبالاً على هذه الأمة أفسد الثورات ودمر بلدان وشعوباً بأكملها،وكانت اولى ضحاياة لبنان،ومن ثم الثورة الفلسطينية،والآن كل بلد حلت عليه لعنة "ثورات" الربيع العربي،ليبيا والعراق وسوريا واليمن والقائمة تطول.
ولا نعتقد بأن مسلسل القتل والذبح والحرق والموت بحق أبناء الشعب الفلسطيني والعربي سيتوقف قريباً،من دون أن يكون هناك صحوة عربية تمكن من سحق حملة هذا المشروع المدمر،ليس فقط للأدوات المنفذة،بل لحواضن وممولي تلك الأدوات المجرمة والتكفيرية.
وعندما يستعيد المشروع القومي العربي عافيته،وتتحقق اوسع حالة وحدة عربية مقاومة،يمكن وقف مسلسل القتل والحرق والذبح والموت العربي،وبما يمكن من تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي المقدمة منها فلسطين،وحينها سيتوقف القتل والحرق والذبح بحق الشعب الفلسطيني.
بقلم/ راسم عبيدات