الإنقلاب أو الإنقسام أو الحسم، لينتفي كل منا الاسم الذي يريحه وليمضي كيفما شاء في نعت الآخر وتحميله وزر ما نحن فيه، وليستشهد كل منا بروايته وليضع لها المقدمة التي تدغدغ عواطف قبيلته، وليمجد كل منا حزبه ويقترب به إلى درجة القداسة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولتفتح وسائل الإعلام أبوابها للناعقين ليعزفوا على وتر المعاناة لحنهم النشاذ، ليحضر كل منا فريقه كي يرصد النكبات عند الآخر، وليدونها جيداً ويعيد حياكتها بالطريقة التي تلائمه كي يصنع منها اسطوره نصره، ليس ثمة انتصار أسوأ من إنتصار يصفق له العدو.
مهما تلاعبنا بالكلمات لا يمكن لنا أن ننفي الحقيقة ونطمس الواقع، الواقع المرير الذي يعيش في كنفه شعب فيما قياداته تعيش عليه، من يدعي أننا اليوم أقرب إلى الحلم الفلسطيني من السابق يجافي الحقيقة، نحن صمدنا أمام آلة الدمار الاسرائيلية في ثلاث حروب لكن ذلك لم يفك قيد غزة والحصار جائم عليها كجلمود صخر، وانتزعنا من العالم الاعتراف بدولة غير عضو في الأمم المتحدة ولم يشفع لنا ذلك في كبح جماح التغول الاسرائيلي، غزة تئن تحت الحصار والضفة ينخر عظمها التوسع الإستيطاني.
من الخطأ أن نفكر بعيداُ عن الحقائق، ومن الخطيئة ألا ندرك إن كنا نسير إلى الأمام أم غير ذلك، وكي لا يدخلنا البعض في دائرة الاختلاف حول رؤية الحاضر، لنلقي نظرة سوياً نحو المستقبل، وبخاصة نحو ما يتعلق بوضعنا الداخلي، فليس أمامنا الكثير من الوقت لإضاعة بعضه، وليس أمامنا سوى أن نغادر مفترق الطرق الذي نتواجد فيه، حينها نحن دون سوانا من يقرر الطريق الذي نسلكه، إما أن ننساق خلف نافخي الكير لنجد أنفسنا أمام جيفة الاقتتال الداخلي أو على أحسن تقدير انشطار الحلم من رأسه حتى أخمص قدميه، حينها لن ينفع الندم والوطن يتلاشى من بين أيدينا.
وإما أن نطلب من الناعقين أن يستريحوا ويريحوا، ونفسح المجال للعقل أن يعمل، خاصة وأن ما نحن فيه لا يمكن هضمه بمفهوم وطني، ولا يمكن لفصيل أن يجني مكاسبه على حساب الوطن، وليس مطلوب أن يتخلي أي منا عما يؤمن به، ما هو مطلوب أقل بكثير من ذلك، مطلوب أن يرى منا الآخر بعين البشر لا بعين الملائكة أو الشياطين، وأن يقترب كل منا نحو الآخر، حيث التنازل الذي من شأنه أن يخفف من وطأة معاناة الشعب يسجل لصاحبه لا عليه.
ما الذي جنيناه خلال عقد من الزمان ونحن نقذف بالتهم بعضنا البعض سوى الكثير من الألام والمعاناة، كيف يمكن لنا أن نتفهم أن القيادات العاجزة عن تحقيق وحدة شعب تحت الاحتلال قادرة على تحريره من نير عدو متجبر؟، وكيف يمكن لنا نستمع إلى البطولات الهلالية في الوقت الذي بات السفر من غزة حلم يراود الكثير وعربدة المستوطنين في الضفة تتواصل دون انقطاع؟، لم تعد آذاننا تطرب لسماع معزوفاتكم، كل ما نريده منكم القليل من الصدق مع الذات.
د. أسامه الفرا