لخصت صورة الطفل السوري (إيلان كردي) دراما المأساة القائمة في سورية منذ أعوام عدة، حيث نيران الأزمة التي أصابت المدنيين قبل غيرهم، وما توالد عنها من تهجير وفاقة، حيث نال فلسطينيو سورية قسطاً وافراً منهم، وقد سقط منهم حتى الآن نحو (4000) ضحية، عدا المفقودين.
صورة الطفل السوري، انتشرت إعلامياً، وصور لاجئي فلسطينيي سوريا الذي غرقوا بالمئات في البحار وماتوا قرب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية لا تفارق الذاكرة الحية الطازجة. فموجات الهجرة من فلسطينيي سوريا مازالت تطرق الأبواب كل يوم وتنطلق عبر البحار نحو الغرب الأوربي وعموم العالم، ونحو السويد في شكلٍ خاص.
فلسطينيو سورية غادروا مناطق الموت المجاني مخاطرين بالتعرض لموت آخر على ظهر قوارب الموت التي نقلت معظمهم عبر العديد من موانئ تركيا ومصر وليبيا باتجاه سواحل إيطاليا في رحلة تمتد لنحو خمسة أيام أو أكثر لكل قارب ممتلىء بالعشرات من فلسطينيي سوريا، وأنتقل بعضهم من ميناء بيروت باتجاه قبرص واليونان.
يَهرُبُ الفلسطيني السوري من الموت المتربّص به في مخيّم اليرموك وغيره من المناطق، ويراوغه ما بين شواطئ مصر الإفريقيّة وشواطىء تركيا عبر القوارب المتوجهة إلى قبرص واليونان والبحر الأبيض المتوسّط، ليلقاه على ساحل اليونان وإيطاليا الأوروبّيين، فمكاسر الموج والموت أدت إلى وفاة أعدادٍ كبيرة منهم.
هجرات على بساط الأخطار الجمة، يديرها ما يمكن تسميتها بمجموعات من الـ (مافيات) التي تبتغي وتسعى من أجل الكسب السريع حتى لو كانت من نتائجه غرق قارب كامل بمن فيه من هؤلاء الغلابى من اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين رفضوا الموت المجاني بعيداً من قضيتهم، وفروا من جحيمه المتواصل.
لقد وصلت أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا سورية حتى الآن إلى حدود (200) ألف مواطن فلسطيني مُسجّل في سورية، وقد نالت منهم مملكة السويد وحدها نحو (30) ألف فلسطيني سوري إلى أراضيها حتى الآن، ومازالت المتوالية مُستمرة في هجرات يبدو بأنها متواصلة.
إن مأساة الهجرة أو التغريبة أو النكبة الجديدة التي يعيشها فلسطينيو سورية تتم الآن وتَمُرُ مُتسارعة بصمت، وعلى مرأى ومسمع كل القوى والقيادات الفلسطينية بما في ذلك الإطار الشرعي الفلسطيني، ونقصد منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تُبادر ولم تَقُم بما هو مطلوب منها كما يجب من أجل السعي إلى وقف ما يتعرض له فلسطينيو سوريا من مصاعب كبرى دفعت بأعداد كبيرة منهم لركوب قوارب الموت باتجاه بلاد الهجرة، تاركين مخيماتهم ومودعين آمالهم الوطنية التي طالما تربوا عليهم ونمت في أفئدتهم.
لا يُلام اللاجىء الفلسطيني في سوريا بمغادرة البلد والهجرة إلى أصقاع المعمورة الأربعة، فالرحيل الإرادي إلى المجهول، هو تلبية النداء الساحر لقتل حقيقته ودفنها هناك، هو شطب حياته الماضية من أجل ميلاد معتوه في بلاد لا يُحسن فيها سوى العيش أكلاً وشرباً وهواء، فهل مات الحلم بوطن كان اسمه فلسطين، ومن له القدرة على استيعاب صرخاتِ اللاجىء الفلسطيني السوري واستيعاب قهره.
علي بدوان
* كاتب فلسطيني - مخيم اليرموك