كنت في زيارة إلى مدينة "دانكرك" الفرنسية عندما التقيت بشاب فلسطيني ذهب إلى فرنسا ليدرس الماجستير، بعد أن حصل على الشهادة التي ابتعث من أجلها واصل مسيرته التعليمية لنيل درجة الدكتوراة، يوم التقيته كانت البلدية تستعد لحفل اشهار زواجه من فتاة مغربية، التقيت به داخل أروقة مبنى البلدية، للوهلة الأولى تكتشف عمق العلاقة المميزة التي تربطه بأركان البلدية وبخاصة مع رئيسها، رافقنا الشاب طيلة أيام الزيارة ولم يبخل البتة بتقديم النصح لنا، كان من الواضح أن الفترة الزمنية القصيرة التي أمضاها في المدينة كانت كافية لأن يجيد اللغة الفرنسية إجادة كاملة والأهم أنه بات مطلعاً على مكونات المدينة وناشطاً في فعالياتها المختلفة.
شرفت في زيارة لمدينة لاهاي في هولندا أن ألتقي برجل أعمال فلسطيني يقيم فيها منذ عدة عقود، منذ أن جاء إليها طلباً للعلم بداية العقد السادس من القرن الماضي، لم يسجل نجاحاً في مسيرته التعليمية لكنه حقق نجاحاً مذهلاً في عالم التجارة، كان يجلس في مكتبة يقلب كتاباً بين يديه "أنا والملكة"، كتبه صحفي هولندي يسرد فيه قصة حياة رجل الأعمال الفلسطيني والعلاقة المميزة التي تربطه بمكونات النظام في هولندا، بعد أن فرغ من حديثه مع الصحفي ذهبنا لتناول العشاء، قال لي هامساً عن تحسس السفير من نشاطه وعلاقاته وبخاصة تلك التي تجمعه برجال الدولة، وقال معاتباً لماذا يحجم من يأتي إلى هولندا من المسؤولين الفلسطينيين عن الإجتماع بالجالية المقيمة فيها، مؤكد أن الرجل ليس بحاجة إلى السلطة ولن يتملق لمسؤول طمعاً في رضاه.
عتاب رجل الأعمال سمعته مراراً من قبل الجاليات الفلسطينية، قلما يضع مسؤول فلسطيني ضمن برنامج زيارته لقاء ممثلين عن الجالية الفلسطينية، ومن يفعل ذلك ينتقيهم السفير بعناية فائقة، لا يريد لأي منهم أن يعكر صفوه أو أن يفضح قصوره، يريد لزيارة المسؤول أن تنتهي على خير، والخير بالنسبة للغالبية منهم تتعلق بأن يعود المسؤول حاملاً معه رضاه عن السفارة وبخاصة ما يتعلق منها بوسائل راحته التي اشرفت السفارة على تفاصيلها.
لا شك أن الجاليات الفلسطينية المنتشرة في أصقاع المعمورة بإستطاعتها أن تقدم اليوم للقضية الفلسطينية أضعاف ما تفعله سفاراتنا، هي الأقدر على فهم المجتمعات والأكثر انخراطاً فيها، ومن الواضح أن الجاليات الفلسطينية باتت تعمل على خدمة القضية الفلسطينية بشكل أفضل مما كانت عليه في السابق، سواء كان ذلك عبر العمل الجمعي أو الفردي، لذلك بات من الضروري أن تولي السلطة أهمية في التواصل مع الجاليات الفلسطينية، تستمع إليها وتنسق معها، على إعتبار أنها الأقدر على تحليل واقع العلاقة وفتح آفاق توطيدها، وفي ذات الوقت بإستطاعتها أن تشكل فريق عمل مع السفارة يمكن له أن يذهب بعيداً في دعم القضية الفلسطينية بأوجهها المختلفة، ليت وزارة الخارجية تصدر تعميماً إلى سفاراتنا تلزمها بأن تجعل من لقاء الجالية الفلسطينية جزءاً أصيلاً من برنامج زيارة اي مسؤول فلسطيني.
د. أسامه الفرا