تعاني الحكومة الفلسطينية المقالة بغزة من أزمة مالية أدت إلى عدم قدرتها على توفير التزاماتها المالية لقرابة 39 ألف موظف , وذلك منذ ديسمبر للعام 2013 أي بعد 6 شهور من إغلاق الجيش المصري للمئات من الأنفاق المنتشرة بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية أو فيما عُرف سابقا بالمعابر الأرضية, والتي شكلت مصدراً مالياً مهما ً للحكومة المقالة من جهة ووسيلة للتخفيف من حدة الحصار الإسرائيلي الذي تم فرضه على غزة بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي في دورته الثانية في يناير 2006 , وبالنسبة لأهمية الأنفاق بالنسبة للحكومة المقالة فقد ظهر ذلك بتصريح وزير اقتصادها آنذاك علاء الرفاتي والذي قدر خسائر الحكومة من إغلاقها لمدة شهرين بحوالي 460 مليون دولار, وخلال العامين السابقين تفاقمت الأزمة المالية للحكومة المقالة والتي استمرت بالعمل حتى بعد تشكيل حكومة للتوافق بين حركتي فتح وحماس في أبريل 2014 فيما عُرف بإطار الشاطئ, ومنذ ذلك الوقت ولا زال ملف تسوية أوضاع موظفي المقالة ودمجهم بالحكومة الفلسطينية مثير للخلافات القائمة وكانت سبباً في تأخر المصالحة واستمرار حالة الانقسام السياسي والذي يدخل عامه التاسع وسط تنامي حالة الرفض الشعبي لاستمراره ولتفرد حركة حماس وفتح في حكم الأراضي الفلسطينية كلاً حسب منطقة سيطرته مع غياب للمجلس التشريعي والمجلس الوطني وكذلك غياب حماس وبعض الفصائل عن تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية , نسبة كبيرة من ميادين قطاع غزة ترفع شعارات تعبر عن المأساة التي يعاني منها الموظفين كنشر صور لشرطي ومدرس وطبيب مثلا يعمل بلا راتب , لقد تداول الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في الأيام الماضية موضوع إمكانية قيام الحكومة الفلسطينية المقالة بتخصيص أراضي للموظفين بدلاً عن مستحقاتهم المالية المتراكمة لدى الحكومة والبالغة 350 مليون دينار أردني (500 مليون دولار أمريكي) بمتوسط 12820 دولار لكل موظف ولا زالت تلك مجرد تقديرات لم تكشف الحكومة المقالة عنها لغاية الآن, وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول تلك القضية بشكل واسع وتباينت وجهات النظر ما بين مؤيد ومعارض لها, وقد يغفل البعض القضية الرئيسية وهي عدم وجود أراضي حكومية وما تم الحديث عنه هو أراضي عامة لا يحق لأحد التصرف بها, وعليه فإنه وحسب قوانين ملكية الأراضي في القانون العثماني تنقسم الأراضي الفلسطينية إلى خمسة أنواع وهي؛
1- الأراضي المملوكة وهي المملوكة ملكية خاصة ولا تعود إلى بيت المال أو وزارة الأوقاف بعد وفاة مالكها إلا في حالة واحدة وهي نادرة كعدم وجود أحد من ورثته.
2-الأراضي الأميرية: وهي الأراضي التي تعود ملكيتها لبيت المال وتشمل الأراضي الزراعية والمراعي والغابات.
3-الأراضي الموقوفة: وهي أراضي تابعة للأوقاف والتي حددها العهد العثماني فترة حكم سليمان القانوني, إضافة لبعض الأراضي التي خصصها بعض الأغنياء أو الأراضي التي أوقفها الفلاحين هرباً من دفع الضرائب.
4-الأراضي المتروكة: وهي الأراضي التي تُرك حق الانتفاع بها لعامة الناس أو لأهالي منطقة معينة.
5- الأراضي الموات: وهي الأراضي الخالية والبعيدة عن العمران وليست بتصرف أحد.
وعليه فإنه وفقاً لذلك لا يوجد شئ أسمه أراضي حكومية, هي أراضي عامة يمتلكها عامة الناس ولا يحق للحكومة التصرف بها, وبالتالي فأي تصرف وتحديداً تخصيصها للموظفين فإنها يقع ضمن السياسات الاقتصادية الخاطئة والحمقاء ويعتبر مجزرة حقيقية ستخيم بظلالها على الواقع المعيشي والحياتي للأجيال القادمة التي لن تجد مكاناً مناسباً لإنشاء المرافق العامة وخصوصاً في ظل ارتفاع معدلات النمو السكاني ومحدودية الأرض وتحديداً الزراعية منها, أما النتائج الاقتصادية المتوقعة في حال قيام الحكومة المقالة بغزة بتخصيص أراضي تتراوح مساحتها من 50-250 متر على الموظفين بدلاً عن مستحقاتهم المالية المتراكمة على الحكومة منذ ديسمبر 2013 ولغاية الآن, في حال تم ذلك واعتقد أنه لن يتم لعدم قانونيه ولصعوبة تثمين الأرض والتعقيدات المرافقة لذلك كوجود 39 ألف موظف بالحكومة وتخصيص مناطق بيت لاهيا ورفح وخانيوس فقط, ستتمثل تلك النتائج بالنقاط التالية:
1-ارتفاع أسعار الأراضي في المناطق المستهدفة , والسبب ستنعش عملية المضاربة من قبل عدد محدود من التجار الذين لا زالوا يمتلكون مئات الملايين من الدولارات كعوائد تجارة التهريب عبر الأنفاق التي تم إغلاقها في مايو 2013 والتي امتلكت قرابة 2700 مليون دولار استثمرتها في شراء الأراضي والعقارات وبعض المشاريع غير التنموية , ورفضت البنوك في بعض الفترات قبول ودائع بالدولار بسبب تكدسها بعد إغلاق الأنفاق مما يعني أمكانية حدوث مضاربات كبيرة تهدد طبيعة النظام المصرفي والاقتصادي في قطاع غزة.
2-ارتفاع الأسعار سيرافقه بعد عدة شهور حدوث فقاعة سعرية من نتائجها هبوط آخر للأسعار
3-في حال هبوط تلك الأسعار مع حالة الركود الاقتصادي سيطفو على السطح ظاهرة هي الأخطر وهي فقدان السوق المحلي لمئات الملايين من الدولارات والمدخرات وذهابها لحفنة من المضاربين الذين أوصلوا السوق لهذه الحالة , والنتيجة بذور أزمة مصرفية واقتصادية وتفاقم المشكلات القائمة , حيث تباطؤ في الإنتاج الغزي وارتفاع معدلات البطالة والفقر إضافة إلى انخفاض معدل الادخار الوطني وبالتالي تراجع عجلة الإنتاج
وعليه فإن الخاسر الأكبر هو الحلقة الأضعف وهو المواطن , والرابح الأكبر هم فئة من عشرات التجار والمضاربين الأكثر قدرة في استنزاف المدخرات وإضعاف معدل النمو في الادخار الوطني ومن ثم القدرة العالية على تعميم بذور المرض الهولندي واتساع التفاوت بين الشرائح المجتمعية , ومن جهة أخرى فإن تخصيص تلك الأراضي الزراعية سيرافقه تقليل المساحات المزروعة وبالتالي تناقض الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية ولذلك مخاطر كبيرة على نمو الاقتصاد المتهالك بقطاع غزة.
وفي الختام فإن تلك الأراضي أما أراضي مواتا وأحياءها بعض السكان استنادا للحديث النبوي من أحي أرضا ميتة فهي له, أو أراضي وقف أو متروكة , وبالتالي فإن الواقع الاقتصادي والتنموي في قطاع غزة أمام مشكلة جديدة ستُضاف لجملة من الأزمات الراهنة , ستتفاقم تلك الأزمات مع التنامي المطرد في تعميم السياسة الاقتصادية الحمقاء وغير المسئولة والتي جوهرها تخصيص المنافع وتعميم الخسائر, إضافة إلى ذلك ستعزز تلك العملية استمرار وتفاقم الانقسام السياسي وتراجع مستويات الرفاه للأجيال القادمة .
بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_غزة