امام تأجيل المجلس الوطني الفلسطيني الذي كنا نتمى ان يكون محطة لتجديد مسار النضال الفلسطيني الطويل والمرير، رأينا للأسف التناقضات السياسية في البيت الفلسطيني بشتى السبل والوسائل وكأن الهدف هو ابقاء الازمة الداخلية وتعميقها وتأجيجها، ونحن نسأل هنا اذا كان التأجيل مصلحة وطنية بكل تأكيد هو مرحب به ، وخاصة اننا بحاجة الى وقفة فلسطينية امام المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومراجعة شاملة ومعمقة للبحث في مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال المجلس الوطني الفلسطيني ، حسنا لقد حدد الاخ ابو الاديب رئيس المجلس تأجيله لمدة ثلاثة اشهر، لأن القراءة السريعة تظهر ان الوحدة الوطنية والعلاقات الوطنية تتعرض الى خضات سياسية لاسباب متنوعة، وهدفها اغراق الساحة الفلسطينية في صراعات وحرتقات جانبية تطول او تقصر، وفقا لاسباب الخضة وطبيعتها وعدد القوى المشاركة فيها، تتخللها حروب كلامية وبيانات تحمل اتهامات متبادلة.
لا شك كنا نتطلع الى ان تبادر كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الى الترحيب بالدعوة لعقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني والعمل على تجديد الهيئات والمؤسسات وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ورسم استراتيجية وطنية ونضالية ترتقي الى الوعي الوطني والاحساس والالتزام بالمسؤولية الوطنية، والحرص على بقاء المصالح العليا للشعب فوق الاعتبارات التنظيمية الخاصة.
وفي ظل الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية و النضال الوطني الفلسطيني، وما تواجهه الحركة الوطنية الفلسطينية، اعتادت القوى والتنظيمات والشخصيات الوطنية الفلسطينية ان تلتقي، فلماذا اليوم هبت قوى وفصائل لمعارضة انعقاد المجلس الوطني رغم ان الحالة الفلسطينية اصبحت مأساوية، بدلا من ان تستخلص العبر والدروس ، وايجاد القواسم المشتركة للعمل الفلسطيني المشترك، والمحافظة على تضحيات ما حققه الشعب الفلسطيني على طريق تحقيق اهدافه الوطنية من خلال حشد الطاقات بالاتجاهات الصحيحة المطلوبة وفي الوقت المطلوب، وانهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة واعتماد وثيقة الوفاق الوطني التي خطها الاسرى استراتيجية والالتزام بالديمقراطية كقاعدة لحل الخلافات، وعدم ايذاء العلاقات الوطنية، من خلال اعتبار مهام التحرر الوطني، وفي مقدمتها مواصلة مواجهة الاحتلال والخلاص منه هي الاساس، من اجل استكمال بناء مقومات الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، كل ذلك يستدعي حشد الطاقات وتعبأتها وتشغيلها في هذا الاتجاه الرئيسي حيث يعطي للمسيرة النضالية زخما اضافيا عربيا ودوليا.
كل ما يحدث في فلسطين والمنطقة، يؤكد الحاجة الماسة إلى عقد دورة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني لإعادة بناء الشراكة الوطنية على أساس عقد اجتماعي وإستراتيجية وبرنامج سياسي جديدين، فعمليات الاستيطان الصهيوني في القدس المحتلة ومعظم أنحاء الضفة الفلسطينية ما زالت على أشدَها، وجرائم الاحتلال والمستوطنين الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ترتفع وتائرها باستمرار وكان اخرها حرق عائلة دوابشة، واستهتار حكومة الاحتلال بالقوانين والمواثيق الأممية وقرارات الشرعية الدولية ، في ظل حالة انقسام كارثي شقَت الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية وأحدثت شرخا في المشروع الوطني الفلسطيني، وفق مخطط مرسوم من قبل الادارة الامريكية والكيان الصهيوني وتركيا وبعض دول الخليج بالتوافق مع الاخوان المسلمين لشطب منظمة التحرير الفلسطينية وفصل قطاع غزة عن الضفة بهدف تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية تحت مسمى "التهدئة" مع الصهاينة.
من هنا كنا نؤكد على اهمية عقد المجلس الوطني الفلسطيني من اجل الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية وإعادة الحياة إلى أوصالها ، والخرج من مأزق "اتفاق أوسلو" والوقوف امام الاوضاع المصيرية التي تهدد المشروع الوطني ومستقبل الشعب الفلسطيني ووجوده الوطني
فلذلك نحن نرحب بالمعارضة البناءة التي دعت للتأجيل المجلس دون ان تضع الشروط التعجيزية من خلال خطابات ومقابلات ولكن ليس على اساس تأجيل انعقاده الى فترة طويلة ، لان الوضع الفلسطيني لم يعد يحتمل ، وخاصة ان هناك اتفاقات وقعت وهي ليست بحاجة الى حوارات بل يجب تطبيق اتفاقات المصالحة وانهاء الانقسام الكارثي والذهاب الى المجلس الوطني الوطني والاستماع لتقريراللجنة التنفيذية عن عملها في الفترة الماضية، وعليه، يتم إعادة ترميم البيت الفلسطيني، وتجديد شرعية منظمة التحرير وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية التي تتهددها، والعمل على اجتراح برنامج سياسي كفاحي واقعي يمكنه مواجهة الاستحقاقات المصيرية الوجودية، ويحظى بتأييد الأكثرية الفلسطينية، وخاصة بعد وقف المفاوضات العبثية الضارة ، ولكن ما رأيناه من مواقف البعض هدفها ازدياد الانقسام بدلا من الدعوة للوحدة الوطنية على قاعدة شركاء في الدم شركاء في القرار ، وكأن كان البعض ينتظربفارغ الصبر القفز فوق أشلاء منظمة التحرير والمشروع الوطني الفلسطيني.
وفي هذه اللحظات اتذكر القادة العمالقة الرئيس الشهيد ياسر عرفات والحكيم جورج حبش وابو علي مصطفى وابو العباس وطلعت يعقوب وابو جهاد الوزير وابو عدنان قيسى وسمير غوشة كيف كانت اياديهم تتشابك في المجالس الوطنية الفلسطينية , من اجل وحدة المواقف و تقوية قضيتنا من خلال وحدة شعبنا وصموده الأسطوري وثباته .. هذا الصمود الذي أوجد مكاناً للقضية الفلسطينية على خارطة الصراع مع العدو الصهيوني، لذلك كنا نتمنى ان نأخذ من اشتقاق النموذج الفلسطيني في النضال والقيادة والسلطة حتى يتمظهر بصورة حية عبر قدرة شعبنا على تجاوز شدائده ومحنه، فالشعب الفلسطيني اليوم هو أحوج ما يكون إلى الوحدة الوطنية ورص الصفوف ومغادرة مواقع الخلاف والتنافر والسير موحدين عبر هذا المارثون الفلسطيني الطويل الذي لم نقطعه بعد.
وهنا اريد ان اقف امام فصائل اخرى أرادت المشاركة في المجلس الوطني دون العودة الى هيئاتها القيادية او التشاور معها ، لهذا نقول هذا شيئ هدفه تفكك وانهيار التنظيم ،بدلا من تشبثه بالموقف الوحدوي واحترام قرارات هيئاته القيادية ، على الرغم من كل ذلك، نقول لديكتاتورية هذه الفصائل على ان تقوم بعملية مراجعة شاملة، أين أخفقت وأين أصابت، ولماذا تراجع دورها وأدائها وفعلها،وأين مكامن الخلل والقصور،عليها ان تراجع هويتها الفكرية والسياسة ،عليها أن تقييم هيئاتها كمجموع وأفراد وتحديداً في الهيئات القيادية من مكتب سياسي ولجنة مركزية وقيادات اقاليم،عليها أن تركز على إخفاقاتها في الثقافة والإعلام،عليها أن تركز على قصوراتها في العمل الجماهيري،عليها أن تبادر إلى عقد اجتماعات هيئاتها القيادية ومؤتمراتها ، بعيداً عن التجميع والعضوية الشكلية ،ويجب عدم اجترار العبارات والكليشهات الجاهزة التي تركز على العواطف والمشاعر بعيداً عن لغة العقل والواقع ،وبالضرورة أن يكون هناك محطة هامة للمراجعة والتقييم والمحاسبة والمساءلة بعيداً عن لغة المجاملة والمسايرة،من قمة الهرم حتى قاعدته،فالقيادات التي بعضها لا يجيد سوى النقد والاساءة للمناضلين لا يمكن ان يكون مناضل ولا قائد بل هو اقل ما يقال فيه انه انسان انتهازي يعمل ضد قناعاته وهو لا يحمل هوية فكرية ، بل يحمل هوية لا تنتمي الى الفصيل او الحزب الذي ينتمي اليه ، مما يعني تسلل الأمراض إلى أعماق هذه الفصائل من طراز الإشاعات والتشكيك والإرباكات وغياب المحاسبة والمسائلة، لهذا نقول يجب العمل على رسم رؤية حقيقية في ميادين العمل النضالي والكفاحي والجماهيري والشعبي ، ولهذا يجب التجديد وضخ دماء شابة في الهيئات القيادية،والتقاط الطاقات المبدعة والمبادرة والخروج من الأزمة والتي تراوح مكانها نتيجة الظروف الموضوعية المجافية، رغم قلة وشحة الموارد المالية،حتى تسود الديمقراطية والعمل الجماعي مثل بقية الفصائل والقوى التي اختارت ممثليها للمجلس او اتخذت قرار بعدم حضور المجلس من خلال اجتماع هيئاتها وقياداتها.
ختاما : لا بد من القول مهما حاولوا القفز على منظمة التحرير الفلسطينية ستبقى المنظمة الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني ، لانها هي نتاج تضحيات الشعب الفلسطيني وعذاباته وعلى الجميع ان يدرك ان الوحدة الوطنية هي السلاح الامضى في مواجهة العدو ومشاريعه ، وان النضال الوطني لا يتجزأ ، لذلك كنا نطمح بأن تكون التجربة هكذا حتى أن نضع فيها ثقتنا وأملنا،هذه التجربة النضالية هي تجربة الجميع ولا بد من الحفاظ على المشروع الوطني رغم نار التضحية والألم، وما تشهده وتعيشه الساحة الفلسطينية من أصحاب عقليات لها مشاريعها وهي معادية لكل من هو وطني وقومي وتقدمي ، حيث تغلق الأبواب وتصدها في وجه كل المبادرات الإنقاذية والوحدوية التي أطلقتها الكثير من الفصائل القوى ومؤسسات المجتمع المدني من اجل انهاء الانقسام الكارثي ولجم وصد عنجهية وغطرسة هذه العقليات والقوى التي لا تفكر إلا في مصالحها وهي تسعى لاقامة امارة في غزة ، وتلبسها ثوب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، لذلك لا بد من نحطم العوائق التي تكبل نضال شعبنا ومقاومته والاستمرار في مسيرة النضال على طريق تحرير الارض والانسان.
بقلم/ عباس الجمعة