غريبة هي الساحة الفلسطينية ، فجأة ومن دون مقدمات ، وكما النار في الهشيم ، يحتل خبر طلب رئيس السلطة السيد محمود عباس دعوة المجلس الوطني للاجتماع ، لتتالى بعدها الأخبار والتسريبات والمعلومات والتكهنات عن التصور الذى يسعى من أجله أبو مازن من وراء عقد المجلس في ظل انقسام سياسي حاد لم تشهد الساحة الفلسطينية مثيلاً له ، بعد أن أنجز والمراقبين والمحيطين به استقالات جماعية - ( بهدف إعادة هندسة المنظمة وفق سياساته ) - ، لتشكل هذه الاستقالات المبرر في طلب عقد المجلس . وترافق ذلك مع بورصة الأسماء الهابطة والصاعدة من داخل حركة فتح وخارجها ( طبعاً شخصيات من خارج بعض الفصائل وداخلها ، لتطال أيضاً شخص رئيس المجلس الأخ سليم الزعنون بداية الأمر ) . تجري الترتيبات سريعاً ، وكأن هناك من يريد أن يسابق الزمن ، فمن جلسة استثنائية لتتحول إلى جلسة عادية ، وجدول أعمالها من نقطة واحدة ، هي إعادة انتخاب لجنة تنفيذية ، ورئاسة المجلس ، وطبعاً حسب المُسرب الأخ سليم الزعنون (أبو الأديب ) باقٍ في موقعه ، بعد التسوية التي حصلت بينه وبين رئيس السلطة ، الأمر الذي سرع من عجلة التحضيرات وتوجيه الدعوات لأعضاء المجلس ، وتجهيز قاعة اجتماعات المجلس ، والتي تتسع ل 1500 مشارك ، وهو أي رئيس السلطة ولهذه الغاية تفقدها للوقوف على العمل فيها ، والحرص على تأمين كافة المستلزمات الخاصة بها . وفي خضم الهرج والمرج السياسي الذي ساد بين المؤيدين والمتحمسين والمتحفظين والرافضين ، وكل لديه روايته ورؤيته وحججه فيما هو قانع به ، تقفز وبشكل مفاجئ الأصوات من داخل قيادة حركة فتح مطالبة بضرورة تأجيل عقد المجلس الوطني ، لأن الاستمرار نحو عقده سيزيد المصاعب في الساحة الفلسطينية وتعميق الانقسام داخلها . حسناً فعلت تلك القيادات بتوجيه الطلب إلى السيد رئيس السلطة بالتأجيل ، إذا كان من خلفية انتظار المزيد من إجراء ما يلزم من ترتيب للساحة الفلسطينية ، وتخفيف حدة الاستمرار في الجنوح نحو المزيد من الانقسام ، إذا كان من غير المتاح ولأسباب موضوعية وذاتية ، إنهاء هذا الانقسام البغيض ، وفق اتفاق المصالحة في أيار 2011 ، وهو غير متاح ويطول شرحها . أما إذا كان من خلفية أن هؤلاء أدركوا حقيقة ما يسعى ورائه رئيس السلطة من دعوته لعقد المجلس الوطني ، وهي أن ترتيب اللجنة التنفيذية للمنظمة وفق رؤية رئيس السلطة يُتيح له ترتيب اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر العام القادم بعد شهرين أو أكثر بقليل ، فهم يريدون قطع الطريق على أبو مازن فيما يعمل عليه وطاقمه من داخل وخارج حركة فتح . فإن هذا الطلب لا يخلو من انتهازية مغلفة بستار الحرص والغيرة على المصلحة الوطنية . وما نتمناه أن تكون خلفية الحرص هي الدافع لا سواها .
وبين التعجيل والتأجيل لعقد المجلس الوطني تبرز العديد من التساؤلات المشروعة حول التعجيل أو التأجيل ، - ( ونحن من المطالبين بالتأجيل من خلفية المحافظة على المصلحة الوطنية ) - . ومن هذه التساؤلات : -
- هل ما حمله الدكتور صائب عريقات المكلف بأمانة سر اللجنة التنفيذية ، إلى لقائه مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل في الدوحة ، كان صحيحاً ؟ ، ومفاده أن رئيس السلطة وبحسب عريقات ، يريد ترتيب المنظمة وحركة فتح لأنه ينوي خلال تواجده في نيويورك نهاية أيلول الجاري ، أثناء التصويت على رفع العلم الفلسطيني فوق مقر الأمم المتحدة ، أن يتخلى عن رئاسة السلطة في خطوة نحو حلها وتحميل " إسرائيل " مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والطلب إليها أن تدير الأوضاع في الضفة بشكل مباشر بوصفها قوة احتلال . ودعوة المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في عدم قدرته على إيجاد حل عادل " وفق رؤية رئيس السلطة " ، للقضية الفلسطينية وعناوين الحل النهائي وفق " أوسلو " .
- هل خطوة أبو مازن في عقد المجلس الوطني ، تتصل فقط في التخلص من خصومه ومنافسيه أولاً في اللجنة التنفيذية ، لتُشكل المدخل إلى التخلص من خصومه الحركيين في المؤتمر القادم للحركة ؟ . أم أن الخطوة تتصل في رفع السقف في وجه " إسرائيل " وحماس والمجتمع الدولي ، حول ما يُقال عن مفاوضات غير مباشرة تجري عبر السمسار الدولي " طوني بلير " . الخطوة التي يعتبرها أبو مازن تستهدفه وسلطته مباشرة ، لصالح تعزيز دور حماس وتمكينها من قطاع غزة كقوة أمر واقع ، بحسب تصريحات الناطقين الإعلاميين لحركة فتح . وخطوة التخلي عن السلطة وحلها حسب ما نُسب على لسان عريقات ، يراها الكثيرون أنها لا تتعدى كونها رفع الكرت الأحمر بوجه نتنياهو وحكومته ، وخطوة يعتقد منها دفع الإدارة الأمريكية إلى التدخل لدى بعض الدول الإقليمية المتدخلة في شأن ما يُسمى المفاوضات الغير مباشرة بين " إسرائيل " وحماس عبر بلير ، إلى التوقف عن هذه اللعبة . وما يُعزز هذا الاعتقاد ، أولاً أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، في مؤتمره الصحفي حول الموقف من عقد المجلس الوطني ، لم ينفي لقائه بلير ، ولكنه أكد أن بلير لم يأتي بشيء مهم أو جدي ، لذلك لا جديد على هذا الصعيد ، وإن قال سنفعل أي شيء لرفع المعاناة عن شعبنا في قطاع غزة . أما ثانياً ما كتبته صحيفة " هآرتس " العبرية ، أن حكومة نتنياهو أوقفت الاتصالات مع حماس عبر الوسطاء ، حتى لا تخسر أبو مازن ، وتكون على حساب السلطة والعلاقة معها . وهذا ما ذهب إليه نتنياهو في خطوة تطمين لرئيس السلطة عندما صرح :- " أنه على استعداد للقاء أبو مازن لمعاودة المفاوضات ، ولكن من دون شروط " .
- أم أن خطوة التأجيل إذا ما حصلت ، فلها أسبابها ودوافعها من خارج حسابات أن دائرة الرافضين لعقد المجلس الوطني تتسع ، من فصائل وأعضاء في المجلس الوطني وشخصيات ومثقفين وإعلاميين وكتاب ومفكرين وأصحاب رأي فلسطينيين ، إذ أن على أهمية هذا الأمر ، إلاّ أن اعتبارات التأجيل أو خلفياته أبعد من ذلك ، لأن المقربين أو من هم في الدائرة المحيطة من رئيس السلطة في تصريحات للعديد منهم يأكدوا أن النصاب القانوني لعقد المجلس أصبح في متناول اليد – ( طبعاً إذ أن حسبتهم تقوم على أن الأعضاء من خارج الأراضي المحتلة ، ولربما الأعضاء من غزة ، والرافضين المشاركين من الفصائل وخارجها وكذلك أعضاء المجلس التشريعي لم يحضروا المجلس . وبذلك تكون الجلسة الثانية بمن حضر ، وهكذا يتحقق النصاب لعقد الجلسة ) – . لذلك قد تكون دوافع التأجيل في حال حصل ، تقف ورائها الضغوط التي قيل أن الإدارة الأمريكية وحلفائها في الواقع الدولي والإقليمي قد مارستها في الأيام الماضية على رئيس السلطة لثنيه عن الذهاب قدماً نحو عقد المجلس الوطني . لذلك إذا ما استجاب أبو مازن لهذه الضغوط ، فهو سيكون قد وظف أصوات القيادات الفتحاوية والفصائل وأعضاء من المجلس الوطني والشخصيات المطالبة بتأجيل عقد المجلس ، وعندها سيظهر على أنه قد استجاب لهذه النداءات ، وليس للضغوط المُمارسة عليه من الأمريكيين وحلفائها . والتجربة في سياقها الطويل أكدت على الدوام أن أبو مازن يأخذها على محمل الجد هذه الضغوط ويستجيب لها .
رُغم ذلك نحن سنكون من المرحبين لخطوة التأجيل فيما لو ذهب إليها رئيس السلطة ، لأننا نريدها انتصاراً للمصالح الوطنية العليا لقضيتنا وشعبنا ، على أية اعتبارات فصائلية أو تكتلات فئوية ضيقة تريد وبأي ثمن أن تطفو على سطح هذه المصالح غير عابئة بالنتائج أو تداعياتها . ويبقى السؤال ، وهو بُرسم الجميع ، في حالتي المضي في إجراءات عقد المجلس الوطني ، أو في تأجيله ، ماذا عن اليوم التالي الذي يليه ؟ .
بقلم/ رامز مصطفى