ميكرو وأخواتها

بقلم: أسامه الفرا

فونافوتي هي عاصمة دولة توفالو التي تقع بين جزر هاواي واستراليا في المحيط الهاديء، ومساحة دولة توفالو التي يرفرف علمها أمام مبنى الأمم المتحدة تبلغ 25 كيلومتر مربع، وعدد سكانها لا يتجاوز عشرة آلاف نسمه، وطبقاً لهذه المعطيات يمكن تصنيفها لدينا بلدية من فئة "ج" في أحسن الأحوال، في حين اذا أخذنا بعين الإعتبار الايرادات والإمكانيات تخرج من التصنيف بجدارة.
المهم أن عاصمة الدولة العتيدة عبارة عن شريط يتراوح عرضه بين 250 متر وثمانية أمتار، وعليه يمكن إعتبار العاصمة زائدة تنظيمية في المدن التي تتمتع ببنية تحتية جيدة، وفي العاصمة يوجد مدرج معبد يسمح بإستقبال طائرة صغيرة كلما سمحت الظروف بتجميع مسافرين لاشغال مقاعدها قليلة العدد، والمدرج يستخدمه سكان الدولة كمتنفس لهم يمارسون عليه لعبة كرة القدم ومكان يلهو الأطفال عليه، مما يضطر الدولة لإستخدام سيارة الإطفاء الوحيدة لديها في إطلاق صافرة إنزارها لإخلاء المدرج من شاغليه ايزذاناً بقرب هبوط الطائرة، ولا تغادر سيارة الإطفاء مكانها إلا بعد أن تقلع الطائرة عائدة من حيث أتت.
ما يعنينا أن دولة توفالو "العظمى" صوتت في الأمم المتحدة ضد القرار المتعلق برفع العلم الفلسطيني أمام مبنى الأمم المتحدة، ما يثير الضحك أن دولة البالو التي لا تختلف شيئاً عن زميلتها توفالو رافقتها في التصويت ضد القرار، وشاركهم في ذلك دولة جذر مارشال التي يبدو أنها حتى اليوم بعد مضي أكثر من أربعة عقود على استقلالها ما زالت تتصرف بواقع الاحتلال الأمريكي لها، وبطبيعة الحال ما كان يمكن لدولة ميكرونيزيا أن تفوت الفرصة دون أن تعارض القرار، كون معارضتها تمثل فرصة ذهبية لها لأن يسمع سكان المعمورة بدولة اسمها ميكرونيزيا.
البديهي أن تعارض اسرائيل القرار، والمتوقع أيضاً أن تلحق بها الولايات المتحدة، وليس من المفاجأة في شيء أن تلحق بهم كندا التي ترتبط بالولايات المتحدة بالحبل السري، حتى أن دوري كرة السلة "NBA" تشارك فيه أندية كندية، وعادة ما تلحق استراليا بهذا الركب في معارضة اي قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية.
قد نفهم لغة المصالح التي تحكم العلاقة بين الدول الكبيرة، والتي دفعت البعض من دول الإتحاد الأوروبي للإمتناع عن التصويت، لكن بالمؤكد أن تلك الدول التي عارضت القرار، والتي لا تتسع مساحتها لوضعها على خارطة العالم حتى وإن كان ذلك على شكل نقطة صفرية، لم تتخذ قرارها المعارض انطلاقاً من لغة المصالح أو المباديء، بل الأقرب إلى المنطق أنها جاءت بتأثير حفنة من الدولارات، تلك الدول الفقيرة التي تخرج على الملأ لتعارض ما هو حق فلسطيني ما كان لها أن تفعل ذلك لو أن مستثمراً عربياً جعل القليل من مساعداته تتجه لتلك الدول، ولو أن ثمن لوحة فنية اشترتها دولة عربية ذهب إلى العشرات من الدول المتناهية الصغر لكان لها مفعولاً طويل الأمد في تجيير موقف تلك الدول لصالح الحقوق العربية.
على العموم العلم الفلسطيني سيرفرف على مقر الأمم المتحدة بقرار من 119 دولة، الكثير منها من الدول الوازنة وصاحبة الوزن الثقيل في المعمورة، ولسنا بحاجة لأصوات "ميكرو" وأخواتها، خاصة وأنه بات على العديد منها أن تحزم حقائبها قبل أن تبتلعها المحيطات من جراء ظاهرة الإحتباس الحراري كما يؤكد عليه علماء الأرصاد.

د. اسامه الفرا
[email protected]