اعتقد أن ما يحدث في غزة يشكل حالة لامنطقية مستديمة. فمناكفات السياسة التي أوجعت المواطن في كل منحى من واقعه اليومي المعاش، واقتراحات تقضي على مستقبل الأجيال. فحل موضوع موظفي غزة يكمن في طلب دعم قطري أو تركي حيث أن مرتبات موظفي غزة هو حق لهم. ولا يمكن المس بهذا الحق من حكومة حركة حماس التي تولت ولا تزال تتولى فعلياً حكم قطاع غزة. ولكن الحل لا يكون بالإجهاز على الأراضي الحكومية، وتوزيعها على الموظفين بدل مستحقاتهم. فإن هذه الأراضي هي ملك الأجيال القادمة حين يتضاعف مواطني قطاع غزة خلال عشرة إلى خمسة عشرة سنة. كم مستشفي وكم مدرسة وكم طريق وكم وكم. إن عدم حصول موظفي قطاع غزة على مرتباتهم يعتبر خطأ كبير تتحمله حماس أولاً كأحد إفرازات انقلابها سنة 2007م، وتتحمله السلطة الفلسطينية التي لم تعالج موضوع الانقلاب في حينه ضمن رؤية وطنية واضحة، بل بردات فعل أوصلتنا إلى حالة من مصالحة وطنية متعثرة نتيجة إخضاع المشروع الوطني لمناكفات ومصالح حزبية، بل يمكن القول بوضوح لمصالح عائلية وشخصية. وقد ساهم الطرفان في تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، وتم إدخاله في نفق مظلم، وحرفه عن مساره الوطني. فحدث تأزم في مشروع المفاوضات الذي وصل لطريق مسدود، وحدث تأزم في مشروع المقاومة وأوصله إلى طرق مسدودة، وإشكاليات في الأداء يكرس الانقسام، ويقوض أي جهود للمصالحة. ولذلك يجب القول أن سلطة رام الله قد قوضت حقوق الأجيال الفلسطينية من خلال مشروع أوسلو الفاشل والذي اعترف بفشله حتى القائمين عليه ومن كان يطبل ويزمر له من أمثال ياسر عبد ربه، الذي اعترف في مقابلة صحفية قبل نحو أسبوعين بفشل أوسلو، وأنه أدرك ذلك لاحقا بعد أن كان من المروجين لها، بل من صانعي اتفاق جنيف الذي ضرب بحقوق اللاجئين عرض الحائط. ونجد قيادة السلطة الآن تعلن أنها ستدرس إلغاء اتفاق أوسلو في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي تم تأجيله. فهل السلطة الآن أدركت الآن فشل اتفاق أوسلو. وهل لديها خيار استراتيجي وبرنامج وطني بديل. أم أن السياسية الفلسطينية هي سلسلة من تجارب سياسية فاشلة، وسلسلة من ردود أفعال فاشلة. وبالتالي واصلنا الوقوع في فخ أوسلو وهو فخ إسرائيلي نصب لنا كقيادة وشعب. وحول السلطة الفلسطينية لسلطة حكم ذاتي هزيل على السكان فقط، وسلطة وظيفية فيما تستمر إسرائيل في مشروعها الاستيطاني. يجب علينا أن نعترف بصراحة أن قيادة الشعب الفلسطيني قد وقعت على اتفاق أوسلو وأضاعت المشروع الوطني، وقوضته مقابل عدد من الفيلات في رام الله، ومقابل امتيازات الجوازات الدبلوماسية وبطاقات الفي أي بي. حيث تم إضاعة وطن مقابل امتيازات شخصية وعائلية.
ومن هنا فإن الشعب الفلسطيني قد وقع ضحية قيادة فلسطينية قاصرة النظر في الضفة وغزة. فيتم التعامل مع غزة كقضية إنسانية وليس مشروع وطني، وهناك من ينظر إلى غزة كعبء على مصالحة وامتيازاته. ويتم التعامل مع قضيته من منطق حسابات فؤية وشخصية. فيتم التلاعب بالشعب حول عقد المجلس الوطني، وحول اللجنة المركزية ثم يتم التأجيل. والتأجيل ليس من أجل حسابات وطنية ووحدوية وتصالحية بل ضمن المناكفات الفئوية والمصالح الشخصية، وكأن الوضع الفلسطيني مريح وغير مأزوم ولا حاجة للاستعجال بعقد مجلس وطني. إن ما يحدث هو حرمان الأجيال القادمة من حقها في مشروع وطني وقضية وطنية، فلا قضية ولا وحدة ولا مصالحة ولا أراضي حكومية باقية. والأهم من ذلك لا مجتمع فلسطيني متماسك ولا مشروع وطني، ولا رؤية، ولا استراتيجية، ولا برنامج، ولا قيادة وطنية حقيقية نابعة من الشعب.
غزة
أ. د. خالد محمد صافي
11/9/2015