المجلس الوطني...نحو نقاش مثمر وإيجابي

بقلم: سري سمور

بعيد مقالي السابق (إلى حماس والجهاد:شاركوا في اجتماعات الوطني) أو تزامنا مع نشره أو قبل النشر بقليل تحركت مياه حالتنا السياسية بتسارع ملحوظ، وحصلت تغيرات وسجلت مواقف؛ فالجبهة الشعبية أعلنت مقاطعتها لجلسات المجلس وطالبت بجلسة توحيدية، وأعلن رسميا عن تأجيل الجلسة التي كان يفترض أن تعقد منتصف أيلول/سبتمبر الجاري، والجهاد الإسلامي طالب بتأجيل الجلسة، وعقد الأستاذ خالد مشعل مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه طلب في اجتماعه مع د.صائب عريقات تأجيل عقد الجلسة،  واكتملت فصول مأساة عائلة دوابشة بالتحاق ريهام برضيعها علي وزوجها سعيد، يشكون إلى الله إجرام القتلة وظلم المحتلين، والأمريكان طبعا ردوا على الجريمة ليس باعتبار القتلة إرهابيين بل بإدراج قادة وأسرى محررين على قائمة الإرهاب!

وشهدت الساحة الفلسطينية حالة ربما غابت منذ سنين طويلة نسبيا، حيث أن الفصائل الموالية والتابعة للنظام السوري انتقدت عقد جلسات المجلس الوطني، مع كل ما تردد من أخبار عن تحسن أو عودة العلاقات بين منظمة التحرير وحركة فتح والنظام، إضافة إلى موقف الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وبدا وكأن مشهد الاصطفاف الذي كان يجمع هؤلاء مع حركة حماس منذ مؤتمر مدريد قد عاد نسبيا بصورة أخرى، وقد اختفى ذاك الاصطفاف سنوات طوال جراء الانقسام، ورغبة أو سلوك الفصائل المذكورة بانتقاد طرفيه ودعوتهما إلى الوحدة وتحميلهما المسئولية المشتركة عن تبعاته، ناهيك عن الخلاف الواضح بين أطراف ذاك الحلف–وإن لم يعلن الجميع عنه- حول  ما جرى ويجري في الدول العربية خاصة سورية ومصر، وظهور تحليلات أو مواقف تتحدث عن محاور إيرانية وتركية وقطرية و(واق واقية) تتقاسم العرب منهم الفلسطينيين بطبيعة الحال.

وقد كتب عدد  من الإخوة ممن هم أهل رأي أو يجمعون بين القلم والسياسة عن موضوع المجلس الوطني، وتناولوا الأمر من زوايا مختلفة منهم(مع حفظ الألقاب) هاني المصري وسفيان أبو زايدة ومصطفى إبراهيم وحنا ناصر وأحمد يوسف وغيرهم، وبغض النظر عن درجة اختلافنا أو اتفاقنا مع ما طرحوه فإن  الحوار الهادئ والنقاش المثمر والاختلاف في الرأي بعيدا عن التشكيك وتبادل الاتهامات، والتنميط المخجل الذي صار علامة مسجلة للأسف في تناول قضايانا ومشكلاتنا السياسية، أمر إيجابي وإن دل على شيء فإنه يدل على شعور بضرورة الخروج من المأزق ومحاولة توحيد الكلمة وعدم البقاء في مربع الانقسامات ودائرة تبادل الاتهامات والتنصل من المسئوليات.

أما وقد تأجل عقد الجلسة رسميا؛ فنحن أمام فرصة جديدة، وكم أضعنا من فرص، ونتمنى ألا نكرر صفة إضاعتها، للوصول إلى حل يعيد للقضية حيويتها، ويتصدى لمخططات الاحتلال بجعل القضية غير ذات شأن في ظل ما يجري حولنا خاصة مأساة سورية، حيث أن الاحتلال مرتاح وهو يرانا منقسمين ولبعضنا متهمين، ويرى الأوروبيين باللاجئين-كذبا أو صدقا- منشغلين، والروس عسكريا في سورية متدخلين، والأمريكان له مساندين داعمين.

وأمام هذا المشهد على الجميع أن يتعامل وفق مقتضيات اللحظة التاريخية، والنظر إلى الأمام، والاتعاظ مما كان، لا البقاء في بوتقة الماضي وما فيها، وليكن الأمل بالله كبيرا، وليعلم القاصي والداني أن قضية فلسطين، هي أم قضايا العالم، مهما انشغل أو تشاغل عنها الساسة والإعلاميون وغيرهم، وأثبت شعبنا عبر مفاصل تاريخية كثيرة أنه قادر على قلب المعادلات واجتراح المعجزات وصناعة المفاجآت، التي تقلب التحليلات والقراءات التكتيكية والاستراتيجية رأسا على عقب؛ فشعب خاض انتفاضتين قويتين خلال 13 سنة في ظروف دولية وإقليمية معقدة وبائسة، وخاض جزء منه يعيشون في شريط ساحلي ضيق مكتظ ثلاثة حروب طاحنة، وما زال الجليل والنقب والساحل ودرة التاج(القدس) في قلوب لاجئيه في أصقاع الأرض، هو شعب يستحق أن يراهن عليه قادته ونخبه الثقافية، حتى ولو في غمرة الضغط الحاصل انفلتت من الألسن عبارات اليأس والإحباط، أو انتاب القلب شعور عابر بالقنوط.

أما المجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير؛ فيجب أن ينتقل التأكيد المستمر الذي لا يغادر أفواه الجميع عن وجوب أن يكون ممثلا حقيقيا لكافة ألوان الطيف الفلسطيني إلى فعل مرئي، وعلى الجميع تقديم التنازلات في هذا الاتجاه، وعدم الاكتفاء بالأمنيات والدعوات عبر الإعلام.

وهناك عوائق عدة وبعضها بل أهمها الاحتلال؛ فحتى لو قبل نواب حماس المشاركة استجابة لدعوات الحضور مستقبلا كما ناشدنا في المقال السابق؛ فإن الاحتلال لن يسمح لنواب غزة بالوصول إلى الضفة، ولا يسمح لنواب الضفة بالخروج نحو أي دولة عربية، وعليه يجب إيجاد آلية تتيح لحماس المشاركة وأخذ إجراءات الاحتلال المعيقة بالحسبان.

أما الجهاد الإسلامي فليس ممثلا في المجلس الوطني كونه لم يشارك في انتخابات المجلس التشريعي، ولهذا يطالب الجهاد باجتماع الإطار القيادي المؤقت؛ وعليه فإنه مطلوب آلية قانونية أو اتفاق يحل هذه المشكلات الإجرائية.

أعلم أن اتفاقيات كثيرة جرى توقيعها، وتفاهمات عديدة جرى التوصل إليها، ولكنها ظلت متواضعة التطبيق، أو حتى لا تطبيق لها على أرض الواقع، وأعلم أنه لو فتح باب النقاش حول عدم التطبيق لدخلنا في دائرة الاتهامات، ومحاولات رمي الكرة في ملاعب الآخرين، والوقت لا يسمح والشعب كلّ وملّ من هذه اللعبة التي طال أمدها...وإذا كنا إزاء برامج متوازية أو حتى متناقضة، فلا يجوز أن يغيب عن أذهاننا أننا أمام احتلال يستهدف إخضاعنا جميعا، وابتلاع ما تبقى من أرض، وتهويد القدس وقد شرع مؤخرا بمحاولة تقسيم المسجد الأقصى زمانيا.

وإذا كان موعد عقد الجلسة جرى تأجيله لثلاثة أشهر، وآمل أن تكون المدة كافية للتحضير لعقد جلسة لا يغيبن عنها أحد، فإن مكان عقدها يفترض أن يراعي الظروف النفسية والموضوعية، وان تعقد في دولة عربية ولتكن الجزائر مثلا، وللمكان رمزيته واعتباراته التي  يجب ألا نقلل من شأنها.

وكذلك يجب وضع نصوص واضحة صارمة لعلاقة المنظمة بالسلطة وطبيعة دور الأخيرة،  وتجنب الخلط بين عمل المؤسستين، وضرورة تحرر المنظمة ومؤسساتها ماليا، كي لا تتعرض لأي ابتزاز من أي كان، ومع أن الأمور صعبة في ظل تراكمات المسار السياسي والإضافات البيروقراطية، إلا أن ثمة إمكانية لتغيير هذا الواقع.

وإذا نجحنا في هذا الاختبار وأخرجنا من جديد مؤسسات فلسطينية ذات تمثيل حقيقي للجميع، يمكننا تحقيق انطلاقة تعيد الأمل وروح التفاعل الإيجابي لعموم شعبنا...أما الاحتمال الآخر المعاكس فلا أريد حتى مجرد التفكير به، لأنه يجب أن يستبعد تماما.

نسأل الله التوفيق والسداد لشعبنا وقادته وقواه وفصائله ومؤسساته، ونرجو الله تعالى أن يلهمهم ويمنحهم التسديد والمقاربة.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

بقلم:سري سمّور