بالاعتداء على الأقصى، تثبت "إسرائيل" بأنها فارغة اليدين، وقد أدخلت نفسها في تركيبات ائتلافية معقدة بعد تشكيل حكومة اليمين الجديدة برئاسة نتنياهو، وواضح أن العودة الى المفاوضات، أصبح شيء من الماضي، وأن الدخول في معركة المرجعيات الدولية هو عنوان المرحلة السياسية الحالية، وأن رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، قد أغاظ "إسرائيل" وآثار سخطها، وتريد إدخال المنطقة في انعطاف جديد، مما سوف يؤزم العلاقة مع الفلسطينيين وربما تصل إلى مرحلة الانفجار، ويلاحظ أن حكومة الاحتلال تقوم بصورة مستمرة وتصاعدية بشن الهجوم الشرس على القيادة الفلسطينية، وإعادة القول بأنها "غير مؤهلة للسلام"، وفي هذا اليوم 13 سبتمبر 2015 يقوم وزير الزراعة الإسرائيلي المتطرف أوري أريئيل باقتحام المسجد الأقصى وبرفقته أكثر من أربعين مستوطنا ومسحلين بحراسة من قوات الاحتلال، واندلعت المواجهات العنيفة بين قوات الاحتلال والمصلين، الذين قاموا بإخراجهم بالقوة من المسجد الأقصى، وتريد "إسرائيل" من الاقتحامات المستمرة تنفيذ مخططات التهويد الممنهج للقدس والمقدسات مما يعني تعريض مستقبل المنطقة للخطر، وتنفيذ مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وهذا الخطر و الشرارة التي ستؤجج الصراع والتطرف، وتغلق الآمال أمام أي تسوية سياسية .
أوري أريئيل هذا الوزير المعروف بعنصريته التاريخية، ومخططاته الاستيطانية، يقود الجناح الأكثر تطرفاً في حزبه "البيت اليهودي"، وهو يجاهر بامتثاله لتعليمات أكثر الحاخامات تطرفاً وتحريضاً على العنصريّة ضد كل ما هو عربي وفلسطيني، وكما أن قيامه باقتحام الحرم القدسي والاعتداء على المرابطين، لم تكن إلا بموافقة من رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، ويعتبر التقاء أفكار التطرف وتأمين الحماية لهذا الاقتحام، يعني أن الاقتحام كان مخطط له ويضفى عليه الطابع الرسمي، ونتنياهو ومن خلال وزير الزراعة المتطرف، يريد أن يوجه ضربة قاضية لأي جهود دولية بدأت ساخنة خلال الأيام الماضية، وفي نفس الوقت هي منافسات في داخل الأحزاب المتطرفة داخل حكومته خاصة وفي "اسرائيل" عامة، والتي تريد فرض إرادتها على سلوك وقرارات ومسارات الحكومة الاحتلالية، مما سيشعل فتيل التوتر الذي يبلغ مداه بالاعتداء على الأقصى لما له من مكانة دينية وسياسية لدى الجميع، ويراد من هذه الهجمة على الأقصى التغطية على النجاح والانجاز الفلسطيني في الأمم المتحدة و رفع العلم الفلسطيني فوق الأمم المتحدة، مما يمهد ولأول مرة قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإلقاء خطابه للعالم في نهاية هذا الشهر ومن فوق منصة الأمم المتحدة والعلم الفلسطيني "رمز الدولة" يرفرف بجانب أعلام دول العالم، وقول الرئيس أبو مازن بأن هذا العلم سوف يرفرف في القدس قريبا إن شاء الله.
وكما أن الاعتداء اليوم يؤكد على سيناريو التحضيرات الإسرائيلية الحثيثة والمكثفة لخلط الأوراق في المنطقة، وفي الساحة الفلسطينية، وإعادة التأكيد على أن السياسة الإسرائيلية لم تتوقف يوما عن تهويد القدس وتهويد المقدسات والتمسك بها عاصمة موحدة وأبدية لــ" إسرائيل"، ومن هنا نفهم دفاع أهل القدس والفلسطينيين عن مقدسهم ومقدساتهم حتى ولو كانت هناك جبهة مفتوحة وسقط الشهداء ونزف الجرحى، وهذا يذكرنا أيضا بتاريخ 28 سبتمبر 2000 حين قام اريئيل شارون باقتحام الأقصى وتصدي الشعب الفلسطيني له في داخل المسجد مما أوقع العشرات من الشهداء والجرحى، ومما شكل لتفجير الأوضاع ، ودفع الاحتلال الوضع باتجاه التصعيد، مما عرف بعد ذلك بــ "انتفاضة الأقصى" .
وهنا يجب على المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو القيام بمسؤولياتها الدولية لوقف هذه الاعتداءات المتكررة بحق الأماكن المقدسة ودور العبادة، ونقل صورة الأوضاع وجرائم حكومة الاحتلال للعالم أجمع، وكما على العالم الإسلامي والعربي التصدي لهجمة التهويد التي يتعرض لها المسجد الأقصى.
وفلسطينيا يجب تحقيق الوحدة الفلسطينية والوقوف صفا واحدا في وجه مخططات الاحتلال وبرنامجه التدميرية، وكما يجب ان يكون هناك تحرك فاعل لمساندة أهلنا في القدس المحتلة وفي داخل المسجد الأقصى وتكثيف الحضور فيه، لمنع الاحتلال من تنفيذ خططه وإحباط هجماته المستمرة.
بقلم/ د.مازن صافي