كوابيس الليل تلاحقنا ... وهموم النهار تلازمنا ... وتفاصيل حياتنا داخل هذا الجزء العزيز من الوطن والذي يعيش فيه مليون وثمانمائة الف نسمة ظروفا قاسية... لا يستطيع احد ان يوصفها من خلال مقالة تكتب ...او شعارات ترفع... او مهرجان حتى ولو قاده أكثر الخطباء مهارة وقدرة وبلاغة .. لان الواقع المأساوي المعاش بكل تفاصيله السيئة وسلبياته المنتشرة يجعلنا في موقف المصارحة مع الذات وعدم الاستمرار في سياسة التجميل والترقيع وخلق مبررات وذرائع واهية... وتحميل المسؤوليات على هذا الطرف او ذاك فلقد سأمنا كافة المتحدثين والمبررين الذين يحاولون ايصالنا الى نتيجة مفادها اننا في رباط ...وكتب علينا الصمود... استغلالا معنويا وتمريرا لمصالح هنا وهناك لا علاقة لها بالوطن والقضية والنضال من اجل الحرية .
خزعبلات واقاويل وتحميل للمسؤوليات ...والناس تعاني ويلات تفاصيل حياتهم القاسية في ظل تدني الخدمات وسوء الاوضاع الاقتصادية... وتفشي البطالة وانهيار المنظومة الاقتصادية ... وارباك منظومتنا الاجتماعية وتفشي ظواهر الادمان والازمات الاخلاقية ... حالة يرثى لها بهذا الانقطاع للتيار الكهربائي في ظل هذه الحرارة المرتفعة... وما يعانيه شعبنا داخل القطاع دون احساس بالمسؤولية برغم صبرنا وتحملنا ورضانا عن ثمان ساعات باعتبارها انجازا كبيرا مع ان الاصل ان تكون الكهرباء على مدار الساعة... وهذا ابسط الحقوق الانسانية والادمية فنحن لسنا مسؤولين عن شركة توليد فاشلة وجدت لتحقيق مغزى سياسي لا علاقة له بالجدوى الاقتصادية والانتاجية ... فنحن على مدار سنوات نستهلك الكهرباء من اسرائيل ولم نشعر بالمشكلة الا عندما تم انشاء شركة التوليد وازدادت المشاكل تعقيدا والظروف قسوة في ظل هذا الانقسام الاسود الذي عصف بحياتنا وزاد من همومنا واثقل علينا واشعرنا اننا مجرد ارقام ويجب علينا ان ننصاع لما يتوفر لنا دون ان نبدي رايا او نعلي صوتا او نصرخ لنقول ان هذا الجزء من الوطن... وهذا الجزء من الشعب الفلسطيني الذي لم يبخل بأرواحه ودمائه وممتلكاته لا يستحق مثل هذه الاوضاع المأساوية... ولا يجب ان يكون مقبولا ان ثمانية ساعات هو انجاز مع ان المطلوب 24 ساعة كهرباء وحتى نكون اكثر صراحة فنحن في هذا الجزء من الوطن لا نعاني انقطاع الكهرباء... لكننا نعاني قلة المياه وحتى في وجودها فهي غير صالحة للشرب الادمي حتى انها تسبب اضرارا باستخداماتها .
همومنا ومشاكلنا داخل القطاع لا يمكن اختزالها واختصارها بالكهرباء والماء لكنها مشاكل متشابكة ومتتالية في ظل عشرات الالاف من الخريجين الجامعيين والبطالة المتفشية وهذا الانهيار في سوق العمل والاوضاع التجارية المتردية والتي ترتب عليها انخفاض معدل الدخل حيث يصل الي 2000 دولار بينما في اسرائيل 35 الف دولار دخل الفرد في واقع اسعار مماثلة .
هذا الكابوس الذي يزداد حدة دون احساس وشعور بالمسؤولية وفي اكثر الاوضاع تفاؤلا يمكن ان نسمع بيانا او خطابا او تصريحا دون ان نجد من يمسك بزمام الامور... ويمتلك وسائل العلاج لهذه الامراض المتفشية... والسلبيات المتراكمة... والتي اوصلتنا الى واقع مأساوي يحتاج الى تدخل سريع والى حالة نهوض وطني ووعي فلسطيني لمعالجة هذا الواقع... وما ترتب عليه من انقسام اسود والذي يتحمل مسؤولية كبرى عما نحن عليه ... لان استمرار تحميل الاحتلال وهو بالأساس اساس مصائبنا ومعاناتنا لا ينفي ولا يجب ان يستبعد ما يجب علينا عمله وفعله حتى نخرج من هذا الكابوس .. وحقنا الطبيعي في ان نحلم بالحرية والدولة المستقلة وبالأوضاع الاقتصادية والخدماتية التي تلبي احتياجاتنا الانسانية ... لان ما عشناه على مدار السنوات يجعلنا في موقف الصراخ واعلاء الصوت بأن يرحمنا من يمتلك الرحمة ... والله ارحم الراحمين
وفيق زنداح