نحن وإسرائيل وفن التحالف

بقلم: عماد شقور

تلاقي سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تجاه الرئيس الأمريكي باراك اوباما وإدارته، معارضة واسعة في إسرائيل، وهي آخذة بالاتساع بشكل مطرد. يشارك في مهاجمة هذه السياسة عدد كبير جدا من قيادات سياسية وأمنية، ومن صحافيين وكتاب ودارسين، ومن غالبية مشكلي الرأي العام الإسرائيلي.

كل هذا بسبب ما يراه هؤلاء تعريضا للأهم بين عناصر القوة الإسرائيلية، وهو عنصر التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي.

لكن مهاجمة نتنياهو لهذا السبب بالذات، اضعاف عما كانت عليه، منذ توقيع اتفاق فيينا بين إيران ودول خمسة زائد واحد، حيث اخذت حدة المواجهة بين نتنياهو وحكومته، واللوبي الصهيوني في أمريكا وغلاة الحزب الجمهوري، من جهة، وإدارة اوباما والحزب الديمقراطي، من جهة ثانية، تتصاعد بوتيرة سريعة، لتصل هذه الأيام ذروة لم تقترب منها على مدى عقود عديدة من الزمن، وتحديدا منذ بدء الحرص الإسرائيلي المطلق على مركزية التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في العام 1957.

ذلك ان إسرائيل، على عكس الغالبية العظمى من الدول الحقيقية في العالم، لا تملك ايا من عناصر القوة الثابتة، وكل ما تملكه من قوة محصور في قائمة عناصر القوة المتغيرة، وأهمها على الاطلاق، في الحالة الإسرائيلية، هو عنصر التحالف مع القوة الأعظم في العالم، وهي، في زماننا هذا، أمريكا.

مع تمكن اوباما وإدارته، من احراز هدف القدرة على فرض الفيتو، لالغاء أي قرار يتخذه الكونغرس الأمريكي بخصوص الاتفاق مع إيران، ومع تحسن ظروفه لغاية امكانية نجاحه في منع مناقشة قرار حول هذا الموضوع أساسا، يكون نتنياهو قد خسر الرهان في مقامرته المتهورة، وكسر هذا التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي الأمريكي الشامل، وحوّله، في أحسن حالاته، إلى تحالف استراتيجي بين إسرائيل والنصف الجمهوري في الولايات المتحدة. ولعل في هذا ما يفسر عنف الحملة في إسرائيل على نتنياهو، إلى حد اتهام تسيبي ليفني له، مثلا، انه تسبب في " تعريض أمن إسرائيل إلى خطر دراماتيكي"، وإلى حد ملاحظة صحف في إسرائيل وجود قطيعة كاملة، غير مسبوقة، لاكثر من شهرين، حتى الآن، بين رئيس الدولة اليميني روبي ريفلين ونتنياهو اليميني المتطرف، وإلى حد قول شمعون بيرس ضرورة عمل كل شيء لترميم هذا التحالف.

يعرف اليهود، ربما أكثر من كل أمم وشعوب ودول العالم الأخرى، أهمية التحالف مع القوة الأعظم في العالم، في كل عصر وعصر. ذلك ان اليهود، على مدى تاريخهم الطويل كله، لم يمتلكوا من عناصر القوة الذاتية الثابتة شيئا يذكر، وظل بقاؤهم، مجرد بقائهم لا اكثر، مرهونا بقدرتهم على بناء التحالفات التي تحمي وجودهم، بل وتمكنهم في فترات محدودة من احراز بعض الانتصارات.

في التاريخ اليهودي، مثلا، مكانة بارزة للغاية، للتحالف مع قورش، أول ملوك الفرس، في القرن السادس قبل الميلاد، عندما ساعدوه في احتلال بابل، حيث كانوا يقيمون بعد ان سباهم نبوخذ نصر اليها، ومقابل ذلك أرسلهم قورش إلى فلسطين، لتأمين طريق حملته وهو يُعِد لغزو مصر. ولا يضيرنا التذكير في هذا السياق، ان نبوخذ نصر كان مثلا اعلى للرئيس العراقي صدام حسين، خلال فترة من حياته، في حين قال رون بروسر، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، منتصف الشهر الماضي، في كلمة له اثناء احتفال اقامه اتحاد اليهود الأمريكيين من اصل إيراني، انه يأمل بظهور قورش جديد في إيران.

ومن تاريخنا العربي، نعرف انه عندما فشل اليهود في التصدي للإسلام وهو في مرحلة النشوء، ودفعوا ثمنا لذلك بلغ حد "…ولا يسكن بايلياء (القدس) معهم أحد من اليهود "، حسب الوثيقة العمرية، تحولوا إلى بناء تحالف معه، عمّر لاكثر من ثمانية قرون، وأوصلهم إلى ما يعتبرونه عصرهم الذهبي في الاندلس ( سفراد، باللغة العبرية )، الذي انتهى بخروجهم مع العرب من هناك عام 1492، لتبدأ رحلتهم فور ذلك بحثا عن حليف جديد.

نقفز من هذا التاريخ القديم والوسيط، مضطرين، إلى التاريخ الحديث جدا، لنلاحظ بوضوح استبعاد بن غوريون للتحالف مع الاتحاد السوفييتي، وتفضيله بناء تحالفات اقامها مع بريطانيا "العظمى" في حينه، لضمان دعم سياسي متعدد الوجوه والفوائد، لعل أهمها فرض الاعتراف بإسرائيل على إيران وتركيا، والتعاون معها في شتى المجالات؛ ومع فرنسا لضمان دعم عسكري كبير، كان أهمه طائرات الميراج، للتصدي لمخاطر ذلك الزمان، وبناء مفاعل ديمونا الذري، للتصدي لمخاطر المستقبل، ومع المانيا ( الغربية في حينه )، لابرام اتفاقية التعويضات، لضمان بناء اقتصاد قوي.

إلا ان بن غوريون ارتكب حماقة التحريض على، والمشاركة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ودفع ثمن ذلك بارغام ايزنهاور له على الانسحاب من سيناء ومن قطاع غزة، ولحق بذلك خسارته لموقعه على رأس الحكومة الإسرائيلية، ليخلفه ليفي اشكول وغولدا مئير، مهندسا التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ضمن لإسرائيل انتصار حرب حزيران/ يونيو 1967 وما ترتب وما زال يترتب عليه، وهو كثير كثير كثير.

في هذه الحقبة التي تحاول إسرائيل فيها البحث عن توسيع تحالفاتها، بعد خسارات كبيرة لها في أوروبا، ميممة نحو روسيا، ( في إسرائيل أكثر من مليون شخص لغة الأم بالنسبة لهم هي الروسية)؛ ونحو الهند، ونحو الصين، التي تغازلها إسرائيل منذ عقدين، يجيء تحرش نتنياهو بالبيت الأبيض، معرضا الأهم بين عناصر القوة الإسرائيلية لخطر حقيقي.

هكذا يجب على صانعي القرارات في فلسطين والعالم العربي، ان يقرأوا التطورات. فماذا انتم فاعلون؟

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني/ القدس العربي