واقعنا على فنجان قهوة ونحن ننتظر

بقلم: عباس الجمعة

كم هو صعب وانت تشرب فنجان القهوة الصباحي قبل ذهابك الى العمل ، كم هو صعب وانت ترى المأساة التي تعيشها ، في ظل واقع قدمت له كل شيئ ولم ترى منه شيئ ، وكذلك ترى الأزمات متلاحقة، ليتنا نبدأ بتصحيح وتصويب عملنا حتى نغير مسار الدائرة المغلقة التي نعيش بداخلها، ربما نتمكن مجدداً من رسم الطريق حتى يبقى باب الأمل والتفاؤل بالمستقبل المشرق قريب.

وبعيداً عن مسؤولياتي اليومية والضغوطات التي لا تنتهي.. لم اتمكن يوما من اخذ جزءا صغيرا من وقتي الا القليل للترفيه عن الواقع ، هذه الفسحة التي اشرب بها القهوة وما يطيب لي اركز فيها على ما أراه .

بين الحين والآخر علينا أن نرجع إلى الكلمات والشعارات التي ننادي بها ونعلنها لنرى إذا كانت لا تزال حية تنبض فيها الحياة بكل قوتها وحرارتها او إنها أصبحت أشكالا فارغة ولم تعد تعني شيئا كثيرا وإنها قد أفرغت من محتواها وان الحياة في جهة والكلمات في جهة أخرى.

لهذا يجب ان يكون علينا الصدق والايمان بالتجدد وعلى أن تبقى دوما قريبة من نبضات التاريخ، حتى نعيد النظر بين الحين والآخر لتمتحن عملنا وأفكارنا وشعاراتنا حتى نرى الرؤية إذا كانت لا تزال قريبة من الواقع ، و تعبر فعلا عن الأفكار والأهداف التي من اجلها نضحي ،لأن الثورة، وكل ثورة، يجب ان تصنع للأنسان مكانة ، لان الإنسان هو الذي يصنع الحياة وهذه العودة تتطلب بنظرة فاحصة نقدية هي التي ترينا إلى أي حد نجحنا في بناء الحزب او التنظيم، الإنسان بصورة عامة في كل مكان وزمان لا يكفيه ولا يغنيه أن يأكل ويشبع فحسب، وليس هذا أهم شيء في إنسانيته وإن كان شيئا ضروريا أن يأكل ويشبع، ولكن إنسانية الإنسان هي الاساس ، عندما يحقق الانسان مواهبه وقدراته، عندما ينظر إلى مهماته النضالية والسياسية والاجتماعية التي تعطي معنى لحياته، إنسانية الإنسان تبدأ عندما ينصرف إلى العمل والنضال والى كل شيء يتجاوز شخصه ويتجاوز أنانيته الضيقة لأنه عندئذ يشعر بملء إنسانيته ، فهو انسان مناضل مثله مثل بقية افراد المجتمع ويعمل لمصلحته.

من هنا نقول الضرورات المادية، هي مهمة جدا ولا يمكن أن نستخف بها وأن نقلل من شأنها، وقد قامت احزاب وقوى كثيرة ناضلت الى جانب الفقراء ودافعت عن العدالة الاجتماعية من اجل ضرورات الحياة، وتأمين هذه الضرورات أمر في غاية الأهمية، لان الإنسان إذا كان محروما من هذا الحد من تأمين الحاجات المادية فأن إنسانيته تكون ناقصة وتكون مشوهة، لأنه لا يكون في وضع يؤهله لأن ينظر إلى المستقبل وينظر إلى الآخرين وينظر إلى ما يتجاوز شخصه ويومه وينظر إلى المثل والمبادئ، وإنما يكون مستعبدا لهذه الحاجات الضرورية القاهرة، فلذلك علينا بأن لا نغرق في المجردات وأن لا نسكر بالشعارات وأن لا نبيع الحقائق بالكلمات، علينا أن نعود باستمرار إلى واقعنا الحي نتفحصه ، بغيرة وحب وتفاؤل لنرى ما حققناه وما أنجزناه ولنرى ما بقي علينا أن نتابعه وننجزه. هذه العملية مطلوبة في اي حزب او تنظيم مطلوبة باستمرار لكي نبقى صادقين مع أنفسنا، صادقين مع شعبنا، ولكي تكون خطانا على أرض الواقع لا في أرض الأوهام، وأن يكون تفاؤلنا تفاؤلا جديا ناتجا عن معرفتنا ووعينا للظروف وللواقع لا عن تجاهلنا لهذا كله.

في كل يوم نبدأ عملنا الوطني بعمل نتنقل على الطريق نفسه من بيتك إلى الموقف، لنأخذ وسيلة مواصلات تنقلك إلى المكان الذي يجب ان تكون فيه موجودين ، أو إلى أي مكان لتقبل التعازي او القيام بواجبات وطنية واجتماعية ، ونعمل على انجاز مهامنا على أكمل وجه دون أن يتم التقصير بأي منها من أجل الوصول للأفضل .

للأسف كل يوم يبنى على أمل جديد، لكن تشابه كل شيء في الأيام المتتالية هو ما يجعل الملل يتسرب إلى حياتنا، حتى نكاد لا نشعر بمرور اللقاء او حضور الاحتفال او المشاركة في مناسبة وطنية واجتماعية ، بينما ترى المحسوبين الذين لا هم لهم يعيشون في اوضاع مريحة ، فقد بتنا نعد الأيام بمجيئها ورحيلها عنا.

استقل حافلة النقل من مكان الى اخر، وهذا الشيئ هو أكثر شيء يؤلمنا في حياتنا حيث تذهب لقاء حزب او جهة سياسية واجتماعية بسيارة اجرة ، فيسالك المستقبلين اين سيارتك فنتجاهل الموضوع بعد صفنة طويلة، وسؤال يأخذ من تفكيرنا حيزاً كبيراً.. إلى متى.. حقاً إلى متى..؟

اخترت تلك الكلمات كشعاع من نور، بهدف العودة إلى الصواب، لان المناضلين فعلا تربوا على حمل الراية ، راية التحرر ، راية الوطن ، راية الشعب ، راية الفقراء والفلاحين والمثقفين الثوريين ، ناضلوا من اجل طرد المحتل وتقرير المصير وحق العودة والحرية الاستقلال ، بمثل ما ناضلوا من اجل حقوق الفقراء من العمال والفلاحين وكل الكادحين في سبيل لقمة اطفالهم، حيث اليوم هم في انتظار تجدد الروح الثورية في صفوف الاحزاب والفصائل والقوى من أجل أن تعود حقا طليعة القوى الثورية والمناضلة الملتزمة بقضايا ومستقبل المناضلين وجماهير فقراء.

نقول ذلك لاننا نعيش في اوساط جماهيرنا الشعبية في كل مخيماتنا بهدف الارتقاء بالعملية النضالية التحررية والديمقراطية ، صوب هدف مركزي هو التحرر الوطني والاستقلال والبناء الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للجميع .

ان الحزب او التنظيم الذي لم يعطي اهتمامه لقيادي او لمناضل في صفوفه لا يمكن ان يكون هذا الحزب او التنظيم على قدر من المسؤولية ، لان هذا القيادي الذي آمن بأن المهمة تكليف وليس تشريف وهذا المناضل الذي آمن بان نضاله يجب ان ينصب في تحرير ارضه واستعادتها فهو يتطلع الى العيش بكرامة وتحقيق عدالة اجتماعية ، لان الانسان عندما ينتمي الى فكر ويناضل في اوساط الجماهير الشعبية هذه الجماهير التي قدمت الكثير في سبيل تحقيق اهدافها من خيرة ابناءها وطلائعها، وهذا ما زال خير معبر عن طموحاتها واهدافها عبر تضحياته ومعاناته في مسيرته الطويلة التي خاض المناضلين تحت رايته دون فتور ولا كلل جميع المعارك الوطنية التي قام بها أبناء شعبنا في سبيل حريتهم واستقلالهم وكرامتهم وخبزهم.

وامام هذه الاوضاع هل نرى ان صوتنا الى القوى والاحزاب بما تمثله في اللحظة الراهنة والمستقبل ، وبما تمتلكه من مساحة كبيرة في قلوب وعقول وذاكرة شعبنا ، يتكون مخلصة لقضايا مناضليها وشعبها ، مستندة إلى هويتها الفكرية ببعديها القومي والإنساني ، والى متانة دورها من خلال وحدة صفوفها ، لأن لولا تضحيات مناضليها لم تكن هي اليوم موجودة على ارض الواقع لذلك عليها العودة لتقيم مسيرتها وتصحيح اسلوبها وبرامجها من اجل الحرية والديمقراطية والانعتاق من كل اشكال الظلم الوطني والطبقي في آن واحد .

لذلك نرى ان بعض القيادات تقف في المناسبات لترهن نفسها وقرارات حزبها او تنظيمها وسياسته وبرنامجه ومواقفه دون العودة الى مؤسسة حزبية او تنظيمية، وهنا المصيبة والطامة الكبرى، ويلقون كلمات التمجيد بالاشخاص،يكثرون من السجع والطباق والبلاغة ويتحدثون عن الإنتصارات وصحة البرنامج والمواقف والتمسك بالثوابت والمواقف،ولا نسمع كلمة واحدة من أي قائد لأي تنظيم عن ان حزبه او تنظيمه اخطأ في موقفه في القضية الوطنية او السياسية او عدم اهتمامه بالجماهير،اوعدم قدرته على التوسع والإستقطاب،او ان برنامجه ومنطلقاته السياسية والفكرية والتنظيمية،او انهاء ازمة فساد داخله ، او بحاجة جادة الى تغير وتطوير،أو ان قيادته او جزء منها لم تكن بمستوى التحديات ، ولم يسألوا عن السبب التي وصلت اليه اوضاع حزبه او تنظيمه ..الخ،او لماذا لم ننجح حتى الان في تحقيق حلم شعبنا في الحرية والإستقلال والعودة ،ولماذا يعيش فلان من اعضاء قيادته بمستوى معين، لهذا اقول ان القضية أعمق من التشخيص والقول بأننا نعيش في ازمة،او ان الواقع والظروف الموضوعية مجافية،بل ان المراجعات لا تطال الجوهر،وعلى الاغلب تجري مراجعات شكلية ،ولا يتم الوقوف بجرأة امام الأخطاء والإخفاقات والفساد ، وخاصة امام من امتلكوا بيوتا فخمة، وقادوا سياراتٍ مرفهة، ولباس فاخر ، فكل الفصائل وبدون إستثناء تجد نفسها امام أزمات سياسية وفكرية ومالية تنتج ازمات تنظيمية،تتجذر وتتعمق،وتصبح شاملة،ويتحول التنظيم الى حالة غير طبيعية،أبعد ما تكون عن التنظيم، حيث تحل العلاقات العشائرية والتكتلات والشللية محل العلاقات والأصول التنظيمية، من خلال التوسع والإستقطاب فيها ليس على أساس تنظيمي بقدر ما هو عشائري،وتتعرض وحدة التنظيم الداخلية الى الإهتزاز،والموقف التنظيمي يعبر عنه خارج إطار القنوات التنظيمية والحزبية من خلال"الثرثرات"والعلاقات الشخصية بحق رفاق هم في المواقع القيادية، حيث تولوا مهماتهم بنضالاتهم وتضحياتهم ومثابرتهم ،لم يهبط على القيادة أو على شعبنا لا ب"البراشوت" أو "الفرامانات" ولا بالعلاقات الشخصية والجهوية،بل من خلال نضالهم،والدفاع عن المبدأ والحقوق، والحرص والصدق.

لهذا نحن نرى مرحلة جديدة تتطلب من فصائلنا واحزابنا وقوانا النظر بكل ما يعانيه الانسان، فالمستقبل فيه مجال للتفاؤل والأمل، ولو أننا لم نفقد تفاؤلنا مطلقا، لأننا نعتبر ان تفاؤلنا واستمراريتنا في النضال والعمل والتفاؤل بالمستقبل سيمكننا من مواجهة الهجمة الامبريالية والصهيونية والاستعمارية والرجعية ، على أساس متين وقوي، ومن منطق تقدم ونضج التجربة النضالية التي مرينا فيها ، تؤكد القدرة على المد الثوري نحو قفزات جديدة، لهذا علينا ان نلمس بعض الأخطاء وبعض النواقص التي شابت في المرحلة السابقة، وهذا مجال للتأمل وللتفكير وللتصحيح.

خاتما لا بد من القول: على الفصائل والقوى والاحزاب ان تمتلك الجرأة فيها،وتتحدث عن اخطائها،وعن فشلها في إستيعاب التطورات والتغيرات الحاصلة،ومحاسبة المفسدين ، والوقوف امام برامجها حتى تنسجم مع الحالة التنظيمية ومع واقع الجماهير وهمومها،وتعبر عن طموحاتها،ولكن هلا نرى في الرؤوس القيادية موقف يستدعي امام حالة نهوض جدي وحقيقي في اوضاع الفصائل القوى والاحزاب سؤال برسم الجميع، لان الإنسانية لا تريد يوما لها بقدر ما تريد ممارسات صحيحة، تفسح المجال للتعبير و الحقيقية،‏فشجرة الإنسانية تتفرع لتشمل كل نسمة حياة على هذه الأرض، ففي توفير الكرامة الوطنية غصن منها، وكذلك في العدالة الاجتماعية، وفي الوحدة والتكاتف والنضال والمقاومة غصن اخر منها ، فهذه الشجرة هي التي تحقق الانتصار.

بقلم/ عباس الجمعة