حين أطلقوا قذائفهم على صدر غزة لم تمت، فقد صعدت إلى الحياة مفعمة بإرادة أبنائها المقاومين، وأثبتت غزة أنها عصية على الاقتحام، وأنها قادرة على المواجهة والانتصار، فهل سينجح الصهاينة في اقتحام غزة بشكل التفافي عن طريق حصان طروادة، حين خرج في لحظة انقطاع الكهرباء عن مدينة طروادة عشرات المسلحين الإغريق، وفتحوا بالسيف أبواب المدينة المحاصرة لجيوش أعدائها.
نعم، ما أكثر أعداء غزة! وهؤلاء الأعداء هم مدعاة التحرك للبحث عن مخرج لانقطاع الكهرباء والماء عن الناس، إذ لا يكفي أن تصدر القوى الوطنية والإسلامية بياناً تحمل فيه سلطة الطاقة وشركة الكهرباء في قطاع غزة المسئولية عن معاناة أبناء شعبنا، فقد أضحى معلوماً للجميع أن سلطة الطاقة وشركة الكهرباء لا تمتلكان من أمرهما شيئاً، وذلك لأن حاجة قطاع غزة إلى الكهرباء تصل إلى 400 ميجا وات في الظروف العادية، بينما لا يتوفر منها سوى 200 ميجا وات فقط، فكيف تحل سلطة الطاقة هذه المعضلة؟ وكيف ستكون شركة التوزيع منصفة في التوزيع؟
مأساة نقص الطاقة في غزة أكبر من إمكانيات سلطة الطاقة، وأكبر من اجتهادات شركة التوزيع في التقسيم الزماني لكمية الطاقة، مأساة غزة تنتظر الحل الجذري المتمثل بمشروع الربط الثماني الذي تم تجميده منذ سنوات الانقسام الأولى، وتنتظر غزة أن تشفق عليها السلطة الفلسطينية، وتقوم بتزويدها بخط كهرباء جديد من إسرائيل، ولهذا الخط استحقاق مالي شهري تحاول السلطة أن تتهرب منه، ولاسيما أن قسم كبير من سكان قطاع غزة لا يدفع قيمة الفاتورة الشهرية.
الانفعال والغضب والمظاهرات لا تسد العجز في كمية الطاقة، واعتداء الشباب الغاضب على مقرات الشركة لا يحل الأزمة، واعتداء الشباب الغاضب المحرض على منزل رئيس بلدية رفح الفاضل صبحي رضوان لا يخفف من المعاناة، لأن مأساة غزة تكمن في طول الزمن الذي رضي فيه المسئولون بأن يكون سكان قطاع غزة في قلب الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، وجاهل من لا يدرك أن الهدف من التضييق المتعمد على حياة الناس في الكهرباء والماء والغذاء والعمل والسفر والتعمير هو إجبارهم على الكفر بالمقاومة، ونسيان فلسطين، والانشغال بسد الحاجات اليومية، ومن ثم الخروج الغاضب ضد حركة حماس، وهذا ما أكد عليه نائب رئيس سلطة الطاقة فتحي الشيخ حين قال: إن مشكلة نقص الوقود الحالية ليست مالية، وإنما تلاعب متعمد بكميات الوقود المطلوبة لغزة واستغلال لأيام إغلاق المعبر لإحداث حالة من الاحتقان في الشارع الفلسطيني في هذه الأجواء الصيفية الحارة، وأضاف: لقد قمنا بتحويلات مالية لشراء 2 مليون لتر وقود خلال الأسبوع الماضي، لم يصل منها سوى مليون لتر فقط، ولا تزال أموالنا موجودة في حسابات وزارة المالية دون أن يتم توريد الوقود.
إن حديث نائب رئيس سلطة الطاقة ليؤكد على أن العلاقة بين غزة ورام الله تقوم على هات وخذ، هات مالاً من غزة، وخذ وقوداً لمحطة توليد غزة، وأزعم أن هذا خطأ تورطت فيها حركة حماس، حين زجت بنفسها في أتون خدمات الناس اليومية، وكان على حركة حماس أن تتدارك الأمر مبكراً، وأن تسارع إلى دعوة جميع الفصائل والتنظيمات والشخصيات الوطنية والمنظمات المدنية، وأن تسلم أمام الجميع ملف الكهرباء بكل موظفيه وميزانيته إلى القوى الوطنية والإسلامية، ليتحملوا مسئوليتهم في هذا الشأن، وليشرفوا بأنفسهم على نقل المسئولية إلى حكومة التوافق، لتقوم بواجبها، الذي تتهرب منه، بالتذرع بعدم تمكينها، على حركة حماس أن تمكنها بهذا الشأن، إن كانت غير ممكنة، وأن تحملها المسئولية أمام الشهود، ولا يكفي أن تبدي سلطة الطاقة في غزة استعدادها الكامل لإطلاع المراقبين على سجلات المعابر والتحويلات البنكية وكميات الوقود للتأكد من هذه المعلومات ومعرفة الجهة التي تتلاعب بمعاناة سكان غزة، والخروج بموقف جرئ ضد كل متسبب في هذه الأزمة القديمة، كما قال نائب رئيس سلطة الطاقة.
جميعنا يدرك يا سيد فتحي الشيخ أن مأساة نقص الكهرباء في غزة متعمدة، ولا علاقة لها بالشفافية بمقدار ما لها علاقة بالانقسام، وعليه فإن تسليم جمل الكهرباء بما حمل فيه تخفيف أحمال عن كاهل حركة حماس، ويضع حكومة التوافق أمام الاختبار الجدي في هذا الشأن، الذي له ما بعده.