تمسيدة ميركل

بقلم: أسامه الفرا

لا شك أن صورة الطفل السوري الكردي "ايلان"، الذي لقي حتفه جراء انقلاب قارب الموت الذي كان يقلهم من تركيا إلى اليونان بعد فرار عائلته من جحيم الصراع في سوريا، بعثرت أوراق ملف الهجرة الذي طالما وضعته دول الاتحاد الأوروبي على رأس أولوياتها، وأنفقت الكثير من الأموال ووضغت الخطط والبرامج كي تحد من الهجرة الغير شرعية اليها، لكن الهجرة اليوم نسفت كل ذلك سيما وأن دوافعها لم تعد كما كانت عليه في السابق، البحث عن رفاهية وكرامة لا تتوفر في أوطان المهاجرين، بل باتت الهجرة فراراً من الموت الذي يستوطن أوطانهم، وهو ما دفع الغالبية منهم لإعتلاء الأمواج عبر قوارب تحمل الموت في جوفها.
لطالما شكلت الهجرة هاجساً للدول الأوروبية، واستطاعت الأحزاب اليمينية فيها إمتطاء صهوة معارضتها كي تثبت أقدامها في الخارطة السياسية في معظم دول الاتحاد الأوروبي، اليوم أمام طوفان الفرار من الموت وبخاصة من سوريا والعراق تحولت قضية الهجرة إلى مسألة أخلاقية، لم يعد بالإمكان محاصرتها ضمن المفهوم السياسي كما كان عليه الأمر سابقاً، وهو ما دفع المستشارة الألمانية "ميركل" لأن تخوض داخل الاتحاد الأوروبي معركة كسر القيد، جاء ذلك بعد اللقاء التلفزيوني الذي جمعها بالطفلة الفلسطينية "ريم"، التي طالبت مستشارة ألمانيا بألا تجبرها حكومتها على مغادرة ألمانيا كي تستكمل دراستها، أثار رد "ميركل" على الطفلة الفلسطينية " أنا أفهمك لكن السياسة تقسو في بعض الأحيان" موجة من الانتقادات اللاذعة للمستشارة الألمانية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، بينها هاشتاغ حمل عنوان "تمسيدة ميركل" وصفوا فيه ميركل بأنها بلا قلب ولا رحمة.
تحاول "ميركل" اليوم إقناع قادة دول الإتحاد الأوروبي بضرورة تغيير سياستهم وإستيعاب أفواج المهاجرين، واستطاعت أن تكسب لجانبها رئيس وزراء السويد ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، فيما يتزعم رئيس الوزراء المجري فريق المعارضة وتقف كل من فرنسا وبريطانيا على مقرية منه.
ما يعنينا هنا أن دول الاتحاد الأوروبي باتت تفكر في الهجرة الغير شرعية اليها من منظور أخلاقي، والأجدر أن نفكر نحن بذات المعيار الأخلاقي لكن في الوجه الآخر من الهجرة، حيث حالة الإقتتال الداخلي الذي تشهده العديد من الدول العربية في مراثون الصراع على السلطة دفع الملايين لمغادرة أوطانهم بحثاً عن مكان لا يسكنه الموت، فأي تغيير ذلك الذي تنشده الشعوب العربية يدفعهم لهجرة أوطانهم؟، وأي سلطة تلك التي لا تجلب لمواطنيها سوى الموت والخراب والدمار والقهر والفقر؟.
الحال لدينا دفع الكثير للهجرة في السنوات الأخيرة وبالتحديد من قطاع غزة، وتضاؤل الأعداد في الأشهر الأخيرة يرجع لعدم القدرة على مغادرة القطاع بعد إغلاق الأنفاق التي كانت تشكل ممراً للطامحين في الهجرة، إن استطلاعات الرأي تقدم أرقاماً مفزعة حول نسبة الراغبين في الهجرة، وهو ما يؤكد بشكل قاطع على أننا نسير من سيء إلى أسوأ، ما يجب علينا التوقف حياله أن هذه الهجرة لم تكن يوماً ضمن أجندة شعبنا خلال سنوات الاحتلال رغم المعاناة والبطش والتنكيل الذي كنا نتعرض إليه، لأن الجميع كان يشعر أن في ذلك تضحية من أجل الوطن، فيما اليوم تشعر الغالبية بأن التضحية المطلوبة منه لا تصب في خدمة الوطن بقدر ما باتت من أدوات الصراع على السلطة.

د.أسامه الفرا
[email protected]