أوسلو ...والتاريخ !!

بقلم: وفيق زنداح

يكثر الحديث والتحليل مع كل ذكري بتوقيع اتفاقية اعلان المبادئ بين اسرائيل ومنظمة التحرير ومعظم الأراء والاجتهادات تأخذ منحي عدم القبول بهذه الاتفاقية ..والصاق صفة التنازل والتفريط علي من وقعوا عليها ...ومن صاغوا مبادئها وبنودها ....وأنا لست مدافعا... أو مسوقا ...لهذه الاتفاقية لكنني أري ضرورة طرح ما سبق هذه الاتفاقية من ظروف ذاتية وموضوعية ألمت بالقضية الفلسطينية ...لأن المعارضة المطلقة لهذه الاتفاقية بكل بنودها ونتائجها يمكن أن يتعدي حدود الاجتهاد والتباين ليصل الي مرحلة وذروة الصراع لتحميل أخطاء مرحلة علي طرف دون الاخر وهذا ليس منصفا وعادلا اذا ما أردنا حقيقة أن نستخلص النتائج والعبر وأن نحدد الخطوات والاتجاهات وأن نقول جميعا وبصراحة حول هذه الاتفاقية سواء باسقاطها والغائها ...أو النضال من أجل الزام اسرائيل ببنودها... وبما تم الاتفاق عليه وما توكده قرارات الشرعية الدولية بحقنا بالدولة المستقلة بحدود الرابع من حزيران 67 بعاصمتها القدس الشرقية .
ما يزيد عن عقدين من الزمن ولا زالت المعارضة قائمة لهذه الاتفاقية دون ايجاد بدائل عملية يمكن البناء عليها ...وبالاتجاه الاخر هناك جهود تبذل وتحركات سياسية ودبلوماسية من أجل الزام اسرائيل بعملية التسوية ومفهوم حل الدولتين ...كل ذلك يتم في ظل تعنت وتهرب اسرائيلي من كافة استحقاقات عملية التسوية .
من عارض اتفاقية أوسلو في الماضي منذ التوقيع عليها.... ما زال معارضا ولم نلمس جديدا عمليا لهذه المعارضة ...وسياسة تحميل الأعباء والاخطاء وما ترتب علي هذا الصراع في العقود الاخيرة علي سلطة وطنية وحركة سياسية ما زالوا علي ثباتهم ومواقفهم ولم يفرطوا ولم يتنازلوا لكنهم مع الثوابت الفلسطينية وهذا الموقف الفلسطيني للقيادة الفلسطينية ليس وليد اللحظة ولكنه في سياق الموقف التاريخي للقيادة الفلسطينية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات حيث أثبتت الايام والتجربة أن توقيع اتفاقية أوسلو وعودة القيادة الفلسطينية وبداية مرحلة جديدة من النضال الوطني من داخل الارض الفلسطينية والالتحام مع الجماهير الفلسطينية أفضل كثيرا من النضال من خارج الوطن .... مما يثبت أن القيادة الفلسطينية لم ولن تتنازل عن الثوابت الوطنية .
من خلال المطالعة التاريخية منذ تأسيس السلطة الوطنية وما قامت به اسرائيل من محاولات تركيع القيادة وفرض الاستسلام عليها ومحاصرتها وتدمير البنية التحتية لمؤسسات السلطة ...انما يؤكد أن القيادة الفلسطينية عندما وقعت اتفاقية أوسلو كانت تعمل وفق سياسة الممكن والتواجد علي الارض والعمل من داخل الارض الفلسطينية والخروج من أعباء الخارج .
الظروف الفلسطينية التي سبقت توقيع اتفاقية اعلان المبادئ يمكن تلخيصها بالتالي :
أولا : انتفاضة شعبية منذ ديسمبر 87 دون سقف زمني لإنهائها في ظل الشعار المرفوع في حينه بأن الانتفاضة مستمرة حتي زوال الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال .
ثانيا : القيادة الفلسطينية وقوات الثورة والفصائل وخروجهم من بيروت الي تونس بعد حرب 82 وبداية فرض الحصار السياسي والمالي فرض واقع جديد بحاجة الي اختراق سياسي في ظل محاولات عديدة للتأثير علي استقلالية القرار الوطني .
ثالثا : دورة المجلس الوطني التاسع عشر واعلان وثيقة الاستقلال بالعام 88 والاعتراف بالقرارين 242 _338 كان مدخل لاحداث الاختراق السياسي وبداية مرحلة جديدة .
رابعا: المستجدات السياسية علي الساحة الفلسطينية في ذلك الوقت وما جري من حوارات مع بعض العواصم الاوروبية والولايات المتحدة وفر أرضية الدعوة الي مؤتمر مدريد للسلام من خلال صيغة الوفد المشترك الاردني الفلسطيني .
في ظل الظروف القائمة في تلك الفترة كان القرار الفلسطيني لاحداث الاختراق السياسي والتفاوضي من خلال مسار تفاوضي سري كان من نتيجته اتفاقية اعلان المبادئ في سيبتمر 93 والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير واسرائيل ....مما أفسح المجال لقيام أول سلطة وطنية فلسطينية وبداية مرحلة جديدة من النضال الوطني وما صاحب قيام السلطة من مرحلة انتشار لقوات الاحتلال من المنطقة (أ )علي ان يتبعها اعادة انتشار في المنطقة (ب) (س) علي أن تكون المرحلة الاخيرة في العام 99 والتي تكون من نتيجتها دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67 . كانت النتائج بعكس الاتفاقية بكل ما صاحبها من سوء يمكن الحديث عنه في ظل استمرار التهرب الاسرائيلي وعدم الالتزام بدفع استحقاقات التسوية وما يمارس إسرائيليا من عدوان مستمر واستيطان وانتهاك للمقدسات وما نتعرض له من حصارجائر.... كلها مؤشرات تؤكد أن اسرائيل غير معنية بالسلام وغير ملتزمة بالاتفاقيات سواء أوسلو أو باريس الاقتصادية .
المشهد الفلسطيني بكافة تفاصيله ومراحله التاريخية يبرز ويؤكد أننا فلسطينيا لا يمكن أن نتنازل عن حقوقنا وثوابتنا ...وفي ذات الوقت فاسرائيل لازالت علي عنادها وتنصلها للاتفاقيات... والولايات المتحدة لازالت علي انحيازها ..والمجتمع الدولي لا زال علي سكونه وعدم قدرته علي الزام اسرائيل بتنفيذ متطلبات التسوية... والواقع العربي في أسوأ أحواله في ظل ما يجري .
هذا المشهد هل يوفر أرضية اتخاذ القرار الفلسطيني باسقاط أوسلو ؟؟ أم أن هناك طريق أخر وأقل خطورة يفرض علينا أن نتوحد وان نعمل من أجل فرض شروط السلام العادل من خلال وحدتنا وتماسكنا وعدم القبول للنيل من صمودنا ومقومات قوتنا ....ليس مطلوبا في هذه المرحلة أن نحمل بعضنا البعض مسئولية ما نحن عليه لأننا اذا كنا نتعامل باتزان وموضوعية فما نحن عليه اضافة الي ما يمكن ان يقال عن عدونا وجرائمه وعدوانه هو بفعل ارادتنا المغيبة عن ناصية الحقيقة والفعل الوطني الصائب الذي يعرفه صغيرنا قبل كبيرنا ...ولا زالنا نناكف ونجر بعضنا البعض الي متاهات ودهاليز لا توفر الارضية والمناخ ....فليس في الهدم علينا وعلي أعدائنا من حكمة يمكن أن تؤدي بنتائج أفضل بالنسبة لنا .... فما تحقق من مكتسبات سياسية ودبلوماسية وبناء لمؤسسات السلطة لا يجب أن نغفله وأن تكون نظرتنا سوداوية... ومواقفنا عدمية... وفكرنا مغلق غير قابل حتي للتحاور مع الذات.... للتأكيد والبناء علي كافة الايجابيات واجتثاث كافة السلبيات .
ان طريقنا وما يجب علينا عمله يتعدي حدود هذه الاتفاقية ...لأننا فلسطينيا لا زالنا بحاجة الي عمل الكثير مما يجب عمله.... حتي لا نصبح كمن يقف علي الأطلال .
الكاتب : وفيق زنداح