في صباح السابع عشر من أيلول عام 1982م استيقظ لاجئو مخيمي صبرا وشاتيلا على واحدة من أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني الصامد، بل من أبشع ما كتب تاريخ العالم بأسره في حق حركات المقاومة ونضال الشعوب، في تلك المجزرة لتحالف أعداء الإنسانية من صهاينة وخونة سطروا بالدم صفحة من صفحات الظلم والبطش ، حين استفاق العالم على مجزرة من أبشع المجازر في تاريخ البشرية ليجد جثثا مذبوحة بلا رؤوس و رؤوساً بلا أعين و رؤوساً أخرى محطمة ليجد قرابة 3000 جثة ما بين طفل وامرأة وشيخ ورجل من أبناء الشعب الفلسطيني والمئات من أبناء الشعب اللبناني.
ان مجزرة صبرا وشاتيلا ليست كغيرها، انها ذكرى تضرب في أعماقنا كل سنة, بل كل شهر وكل يوم وكل لحظة، انها ذكرى لا تغيب عن أنظارنا، انها مجزرة العصر، انها أبكت الشجر والحجر, لكنها عجزت أن تبكي الكثير من البشر فهم ليسوا بشرا، انها مجزرة صبرا وشاتيلا"لا ننسى، منذ غزوالعدو الصهيوني للبنان صيف عام 1982
عندما حوصرت بيروت ودخلها العدو الصهيوني, وبعد صمود اسطوري للقوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية على مدار تسعون يوما وخروج قوات الصورة الفلسطينية من بيروت نتيجة توقيع اتفاق فيليب حبيب الذي يضمن سلامة الشعب الفلسطيني جرى على أرض صبرا وشاتيلا خلال ثلاثة ايام مجزرة صبرا وشاتيلا على مرآى ومسمع العالم , حيث ما زالت تحتل عذابات الشعب الفلسطيني واللبناني حتى هذه اللحظات، صحيح هناك ما زالت المسافة بين الموت والحياة غير مرئية، هناك ما زال تحت التراب كثير من الضحايا الذين لم يثبت موتهم بعد، باعتبارهم "مفقودون", وهؤلاء هم"الضحايا الأحياء".
صبرا وشاتيلا ليست مجرد مكان، ولا مجرد مجزرة على لائحة المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، او الشعب اللبناني، او أي شعب عربي مقاوم، صبرا وشاتيلا كتلة بشرية كان من حقهم أن يستمروا في حياتهم، حتى لو كانت حياة فقر وتشرد، وما كان من حق احد ان يسلبهم حياتهم، او أمنهم، او كرامتهم، او لقمة عيشهم، في اية صورة من الصور، فما بالنا حين تكون تلك الصور على أشد ما يكون عليه العدوان همجية.
صبرا وشاتيلا، حكاية شعب كل ما اراده هو الحياة وكل ما حصل عليه هو الموت, ولكنه وبالرغم من كل ما مر به ما زال واقفا بعنفوان يتحدى وينتصر، بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة ، وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعب الفلسطيني أصبح من العار التخفي في تقاليد الجبن والرجعية، فها هي المجزرة تدخل عامها الثالث والثلاثون بلا إسم، بلا عنوان، بلا قضية،كما حصل في مجزرة نادي الحولة في مخيم البرج الشمالي محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض.
مجزرة صبرا وشاتيلا هي واحدة من أبشع مجازر ، وهي واحدة من صور الإجرام التي لم ولن تنسى ولم يستطع غبار الزمن إخفاءها، كما لم يستطع التاريخ طمس معالمها، فهي باقية لم تغيب وحية لن تمت على الإطلاق، رغم محاولات قتل ذكراها، فهي ماثلة أمامنا، محفورة في أذهاننا و عقولنا، رغم محاولات مسح آثارها، شاهدة على أبشع صور الإجرام والقتل والعنجهية.
في الذكرى الثالثة والثلاثون لمجزرة صبرا وشاتيلا نقول إن مرتكبي المجزرة معروفين للقاصي والداني، وعلى جميع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية تحريك الدعاوى ضد مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا وتقديهم للعدالة، لأن جريمتهم لا تسقط بالتقادم، فهي جريمة حرب بامتياز.
ان الحركة الصهيونية ما زالت تنتج كل عام، بل كل شهر، كتبا جديدة، وأفلاما جديدة، وروايات جديدة، عن"الهولوكوست"، هذا بالإضافة الى تشييد المتاحف، وإقامة أجنحة خاصة بأرشيف الهولوكوست في الجامعات الكبرى.وكل هذا، والصهيونية ما زالت تعتبر نفسها في موقع الضحية، متجاهلة أحيانا، ومتباهية في أحيان أخرى، بأنها أصبحت هي الجلاد, ومن مهازل العصر ادعاء هذا الجلاد بأنه لا يفعل شيئاً سوى الدفاع عن نفسه، انهم لا ينسون، فلماذا ننسى، انهم يفعلون، فلماذا لا نفعل، انهم حولوا أنفسهم من جلادين الى ضحية، فلماذا نصمت، ومتى ندافع عن ضحايانا, متى ندافع عن وجودنا, ومتى ندافع عن مستقبلنا.
ان مجزرة صبرا وشاتيلا ليست أول المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطينى ، ولم تكن الاخيرة ، فقد سبقتها مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة، وتلتها مجزرة مخيم جنين، ومجازر غزة ،ومجزرة الحولة ، وان هذه المجزرة اتت انتقاما من الشعبين الفلسطيني واللبناني الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية الذي لقنته القوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية ومعها الجيش العربي السوري درسا في الصمود والتحدي .
لهذا لا بد من التأكيد رغم هذه المجزرة التي استخدمت فيها كل الأساليب الوحشية الحاقدة ، بقيت مآثر الصمود الفلسطيني اللبناني والوحدة الوطنية ، وتفجر الطاقات الشعبية الجبارة في وجه أعداء السلام ، هذا هو السلاح الوحيد التي اجبر الاحتلال وعملاثه على الاندحار عن ارض لبنان من خلال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وها هو السلاح الذي لم يجرب على نطاق العالم العربي ضد نظم استحدثتها الامبريالية الامريكية والقوى الاستعمارية حتى تكون حليفتها الاستراتيجية التي تؤمن لها سيطرتها على مقدرات الامة وثرواتها ، حيث تقف قوى المقاومة وشعوبها بالتصدي للهجمة الامبريالية الصهيونية الارهابية التكفيرية ، حيث لا يمكن ان تنحني قامات الشعوب ومقاومتها وهامتها امام الهجمة وستبقى الى جانب فلسطين القضية والشعب والارض بمواجهة المتغطرسين المجرمين والقوى الرجعية المتساوقة معهم هؤلاء المجرمون متعددون الوجوه ورغم ذلك لابد للحق أن ينتصر، وان التاريخ لم ولن يرحم القتلة وسيأتي اليوم ليتم تقديمهم الي العدالة وشعب فلسطين سينتصر مهما طال الزمن ولا يمكن ان يسقط الحق الفلسطيني في التقادم او انتزاع حق العودة الي فلسطين من أي احد فهذا حق كفله القانون الدولي ، فهو حق مقدس غير قابل للتصرف
ان مجزرة صبرا وشاتيلا فضحت في ذكراها المشاريع والمخططات الامريكية والصهيونية والاستعمارية ، وكشفت وجوه الرجعية العربية وكل الذين يريدون اعطاء الولايات المتحدة وحلفائها صك استهداف الوطن العربي تحت حجج واهية لتسعير الحروب الأهلية لتمرير مشاريعهم في التفتيت والسيطرة وتصفية القضية الفلسطينية ، لذا فإن التصدي ومقاومة هذا العدوان هو مسؤولية وطنية وقومية شاملة، تقع على عاتق جميع القوى والشعوب التي تناضل من اجل حريتها وعدالتها الاجتماعية ، التي تنتصر اليوم للوقوف الى جانب شهداء صبرا وشاتيلا والشعب الفلسطيني .
إن مجزرة صبرا وشاتيلا هي عنوان شعب مضطهد ضاقت به الأرض على اتساعها، وستبقى وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا لمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا المجزرة" وكافة المجازر والجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وكان اخرها جريمة حرق عائلة دوابشة في نابلس ، مما يتطلب المزي من شحذ الهمم وإنعاش الذاكرة لتبقى ذكرى المجازر حية لا تنسى، فما اقترفه هذا العدو من جرائم في حق الإنسانية ساكن في وجداننا.
ختاما: لا بد من ان نحيي المتضامنين الدوليين من وفد " كي لا ننسى" الذي اكد على الاستمرار في الوقوف الى جانب قضية فلسطين في جميع البرلمانات الدولية والمؤسسات الدولية الى ان يعاقب مجرمي هذه المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، ونقول ان مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى في الذاكرة الفلسطينية والعربية وستبقى برسم المحاكم الدولية ، وان التاريخ الفلسطيني لن ينسى ابدا دموية تلك المجازر مهما طال الزمن أو قصر فسوف يأتي اليوم الذي يعود الحق لأصحابه ، وان الشعب الفلسطيني سيكون قادراً على الصمود وإفشال المخططات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف حقوقه الوطنية مهما كانت التضحيات.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي