يعيش الشعب الفلسطيني في حالة اشتباك يومي مع المشروع الصهيوني الذي يتعمق طابعه الاستيطاني الاقتلاعي في القدس على وجه الخصوص، والدليل على ذلك ما يحصل في المسجد الأقصى في ظل صمت عربي ودولي مريب , فالمسجد يتعرض لأكثر من محاولة لهدمه وحرقه , من خلال حفر الأنفاق تحت المسجد بحجة البحث عن أثار يهودية على أمل أن يجدوا أثار هيكلهم المزعوم ،والهدف من هذا الحفر ليس العثور على أثار لهم بل تدمير الآثار الإسلامية المقدسة و إضعاف أساسات المسجد الأقصى , ليسهل هدمه في المستقبل ,اضافة الى محاولات حرقة المتكررة ، وصولا الى ما تتعرض العديد من الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية للحرق والتدمير والسرقة ومنها ماتعرض له دير الأقباط من نهب لممتلكاته , وحرق المركز الدولي المقدس على جبل الزيتون .
إن ما يحدث اليوم في القدس وباحات المسجد الأقصى، يشير إلى أن الكيان الصهيوني يريد حسم الأمور في مدينة القدس "العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني" وذلك من خلال تفريغها من سكانها الاصليين والقضاء على الوجود الفلسطيني بها، كل ذلك يجري في ظل الانقسام الفلسطيني البغيض، وفي ظل الأحداث الجسام التي تشهدها منطقتنا العربية من حروب ومؤامرات خارجية، الهدف منها تقسيم الدول العربية إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، والقضاء على أي قوة عربية يمكن أن تهدد دولة الكيان في المستقبل، وبالتالي يصبح الكيان الصهيوني هو القوى الإقليمية الوحيدة في المنطقة ليفرض إملاءاته وشروطه على المنطقة، ويستكمل عملية اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه حتى يتسنى له إقامة دولته اليهودية العنصرية.
من هنا نرى وللأسف استنكارات وشجب خجولة للإجراءات الصهيونية العدوانية والقمعية التي طالت المرابطين والمرابطات والمدافعين عن المسجد الأقصى، بدلا من دعم صمود الشعب الفلسطيني حتى يتمكن من التصدي للهجمة الصهيونية الشرسة التي تستهدف شعبنا في مختلف مناطق وجوده، وتحديدا في مدينة القدس، ولهذا نرى اهمية تصعيد المقاومة الشعبية بكافة اشكالها ضد الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه في كافة ارجاء الوطن المحتل، وأن لا يكون هذا النضال اسبوعي او مجرد رد فعل على حدث بعينه، بل نهج مستمر متصاعد ومنتظم حتى يتم تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير واقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين من ابناء شعبنا الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها وفق القرار الاممي 194 .
امام كل ما يتعرض له اليوم الشعب الفلسطيني من هجمة عدوانية تطال مقدساته الاسلامية والمسيحية حيث يتصدى بيديه ، لتلك العنصرية الجارفة التي إنما تمارس قوتها من خلال مفاعيل الصمت المريب ، بينما يمارس الشعب الفلسطيني حقه الطبيعي في الدفاع عن مقدساته وأرضه وحقوقه بالطريقة التي يراها في مواجهة الاحتلال والاستيطان والحرب الممنهجة على القدس والأقصى في الآونة الاخيرة ، وهذا يستدعي من كافة القوى والفصائل وضع خطط عمل شاملة ومتماسكة للقدس، فلا يجوز ان تبقى ببياناتها وتصريحاتها اعلامية، ومحاولة بلورة وعي
شعبي على كافة الاصعدة و الانتقال من الغضب العارم الى الانتفاضة ، وهذا يستدعي انهاء الانقسام الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، من حصار وقهر في الضفة الفلسطينية، وخاصة القهر والقمع والملاحقات للمقدسيين، فلا مجال امام كل ذلك الا تصعيد المقاومة الشعبية وصولا الى انتفاضة فلسطينية شاملة لمواجهة المشروع الصهيوني وطبيعة صراعه الدائم والدموي وسنه القوانين ضد الفلسطينيين عموما واهالي القدس تحديدا .
في إطار هذه النظرة الشمولية، ننظر إلى قضية القدس باعتبارها قلب ومحرك ذلك الإطار من حيث الأهمية السياسية والدينية والتاريخية التي لا يمكن إزاحتها من الذهنية العربية الإسلامية والمسيحية في آن واحد، هذه الأهمية لا تتوقف عن الجانب المكاني أو الواقع المادي البشري أو الجغرافي بقدر ما تتغلغل في السيكولوجي الفلسطيني والعربي الداخلي الكامن رغم هذا الواقع المأزوم والمهزوم الذي نعيشه اليوم.
ومن هنا نقول فلا مجال للحديث عن إنجاح مسار التسوية عبر التنازل عن السيادة الكاملة للفلسطينيين على القدس بجوامعها وكنائسها وأرضها، وكذلك الحقوق الوطنية المشروعه ، القدس واللاجئين وحق العودة ،، فالوطن لا يعوض، والقدس - بكل ما تمثله - هي درة هذا الوطن وما حوله من محيط عربي وإسلامي .
أن كل ما يجري في المنطقة العربية ينعكس على القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية المشروعه للشعب الفلسطيني هو جزء من مجموعة المخططات التي ترسم من أجل طي ملف القضية الفلسطينية، وان هجمة الترويع ومصادرة البيوت والأراضي ومحاولة بناء كنيسة في باحة المسجد الأقصى وقضية الاسرى وحق العودة كلها تشكل حدثاً خطيراً ينذر بأسوأ العواقب على مصير المنطقة ، فالقدس عنوان لدولة فلسطين ، وهذا يستدعي من الصامتين من العرب اتخاذ موقف حقيقي وفاعل ضد ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ومقدساته على الساحتين الإقليمية والدولية هو بحد ذاته وقفة ضد كل ما تتعرض له المنطقة من محاولات تفكيك وتدمير .
ان الشعب الفلسطيني يتطلع الى الشعوب العربية وقواه الحية من احزاب ومنظمات دعم صموده في مواجهة العدو الصهيوني الذي يحاول سرقة هويته و تاريخه وتزوير الحقائق و ما يدّعونه بمكانهم في فلسطين ، فالحفاظ على ان تبقى فلسطين هي البوصلة والقدس هي الواجهة، هو الحفاظ على التاريخ والمقدسات والحقوق وعليهم توجيه كل الطاقات للدفاع القدس ، ونحن ايضا على ثقة بكل أحرار العالم من أجل التصدي لهذه الغزوة الصهيونية الاستيطانية التي تريد تهويد فلسطين وسرقة تاريخ الشعب الفلسطيني ، الا اننا نقول بان شعبنا سينجح مهما كانت الصعوبات .
في هذه المرحلة التي يرى البعض أنها سهلة، أرى أنها من أصعب المراحل التي مرت علينا، صحيح أن القضية الفلسطينية تحظى بدعم من الدول الصديقة والشعوب الشقيقة واحزابها وقواها التقدمية ومن احرار العالم ولكننا لا زلنا نعاني من الانقسام الداخلي الكارثي الذين يراهن فيه البعض على فصل قطاع غزة عن بقية اجزاء فلسطين ، لهذا لا بد من الوحدة الوطنية ضمن اطار البيت الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية هذا الإطار الناظم لجميع القوى ، لا يحق لأي كان مهما كان يمثل أن يلحق الأذى بهذا الإطار ومحدداته ، وعلينا أن
نعالج ما يواجهنا من مصاعب ومشكلات وفق ذلك، لان الوحدة هي طريق الانتصار وهي الطريق من أجل إزالة الاحتلال وتحقيق أهداف وحقوق شعبنا وعودته لدياره التي هُجر منها واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وتقرير المصير لشعبنا على أرضه.
ختاما : لا خيار امام شعبنا سوى الاستمرار بنضاله ومقاومته ومطالبة العالم إن ما نريده اليوم هو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية العامة والخاصة وتعزيز الوحدة الوطنية من اخلال انهاء الانقسام وتطبيق اليات اتفاقات المصالحة ودعم أمتنا العربية ، فجيل المستقبل يتمسك بهذه الحقوق والأهداف من أجل الحرية وتقرير المصير والدولة المستقلة والعودة ، وهذا ما رأيناه في مسيرات الضفة والقدس من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني وهم أكثر تمسكا بالدفاع عن الارض والانسان.
بقلم/ عباس الجمعة
كاتب سياسي