روسيا تدرك تماماً بأن الحرب التي يخوضها الجيش والشعب والقيادة السورية ضد قوى الإرهاب ومكوناته والقوى المشاركة به بشكل مباشر وغير مباشر،هي ليست حرباً فقط للدفاع عن سوريا وشعبها ووحدتها الجغرافية،بل هي أيضاً دفاعاً عن الأمن القومي الروسي،فسوريا هي القاعدة والمنفذ البحري الوحيد لروسيا على البحر المتوسط،ولذلك لا تكمن اهميتها الإستراتيجية في ذلك فقط،بل هي تمكن روسيا من الدخول على امن اوروبا وشمال أفريقيا،وسوريا لها دور بارز ومحوري في الحرب على الإرهاب والتوازنات في التحالفات.
المتتبع للمواقف الغربية والأمريكية وتوابعها إقليمياً وعربياً يجد بأن حالة من الإرباك والتشوش والتناقض والرفض والهجوم والتشكيك تسود تلك المواقف على ضوء القرار الروسي ليس فقط بتزويد سوريا بأسلحة حديثة ونوعية،بل إرسال قوات روسية قتالية برية وجوية وبحرية الى سوريا لتكون جاهزة وفي خدمة القرار الروسي في الحرب على المنظمات الإرهابية المنتشرة في سوريا وبغض النظر عن تسمياتها "داعش"، "نصرة" ، "جند شام"،"فتح الإسلام" وقاعدة وأية متفرعات إرهابية اخر،حيث الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الأمريكية والأوروبية الغربية وتوابعها وما يندرج تحت مظلتها وفي خدمتها من رجال صحافة واعلام وكتاب،إنبروا للهجوم على القرار الروسي،فتارة يقولون بأن روسيا ستكون جزء من غرفة عمليات مشتركة مع الأمريكان لمحاربة "داعش" فقط،لأن بقية التنظيمات الإرهابية مثل النصرة هي إرهاب معتدل من وجهة نظرهم،وسيكون لها دور في الحل السياسي القادم،ناهيك عن التشكيك في قدرة روسيا على محاربة الإرهاب دون مساعدة امريكية وغربية،وبأنها ستغرق في المستنقع السوري كما غرق الإتحاد السوفياتي سابقاً في المستنقع الأفغاني،والخطوة الروسية في التدخل العسكري في سوريا من شأنها تعقيد الوضع وتاخير الحل السياسي في سوريا،حتى ان نتنياهو المربك طار الى موسكو للوقوف على حقيقة الموقف الروسي،وهو الذي بات يدرك بأن زمن العربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية وقصفها لأهداف هناك بحجة محاربة الإرهاب ومنع وصول او تزود حزب الله بأسلحة استراتيجية أصبح لها حدود واضحة من الان فصاعداً،وحديث نتنياهو عن تنسيق روسي- اسرائيلي بشأن الطلعات الجوية فوق سوريا،وبأن سوريا لن تفتح جبهة الجولان امام عمليات المقاومة ضد "اسرائيل" وان الهدف الروسي هو محاربة الإرهاب،جاءت لكي تخفي فشل نتنياهو وعجزه عن إقناع الروس بمشروعية تخوفاتها الأمنية،وليس نتنياهو وحده من هو قلق من الخطوة والقرار الروسي،فتركيا التي كان خليفتها يحلم بالصلاة في المسجد الأموي "لص مصانع حلب"،وفي اقتطاع جزء من الأراضي السورية من خلال دعم امريكا واوروبا الغربية لمشروعه بإقامة منطقة عازلة وآمنة في الشمال السوري،بات يدرك بأن فشله في كل ذلك سيعيد لتركيا دورها وحجمها الطبيعي،هذا الدور الذي تعاظم وانتفخ قبل التدخل الروسي المباشر،وبنى أردوغان رهاناته عليه للفوز في الإنتخابات المبكرة في تشرين ثاني القادم،سيجد نفسه أمام استحقاقات قد تجر عليه هزيمة اكبر في هذه الإنتخابات، ومن فشل الى فشل اكبر،قد يطيح بحزب العدالة والتنمية الأردوغاني،وينهي الى غير رجعة حقبة الإخوان المسلمين.
وكذلك ليس القلق فقط ينتاب "اسرائيل" وتركيا فالسعودية وبقية مشيخات النفط التي كانت تقول لحلفائها وشركائها من التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية بأنه لا حل سياسي للأزمة السورية إلا برحيل الأسد،فهي باتت الان امام مستجد جديد بعد التدخل الروسي،ولا مجال للإستمرار في التمسك بمثل هذا الموقف،وخصوصاً بأن مكونات العدوان الرئيسية من امريكا الى اوروبا الغربية فحتى الأمين العام للأمم المتحدة تبدلت رؤيتها ومواقفها بشأن الحل السياسي في سوريا، فقد نتج عن القرار الروسي بالمشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب في سوريا واقع سياسي جديد في سورية وحولها، يكون فيه الحديث عن شروط غربية تتصل بموقع الرئيس السوري لإطلاق العملية السياسية نوع من الهراء والسخف. ولهذا أطلق ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ولأول مرة منذ الأزمة قولاً مفيداً يقول فيه «إنّ مصير الأسد يقرّره الشعب السوري حصراً»، وتبعه في ذلك مسؤولون غربيون من أكثر من دولة حيث صرحوا بمرارة قائلين: «إنّ اشتراط تنحّي الأسد لإطلاق العملية السياسة هو أمر هراء وغير واقعي».
والمتغير هذا ليس هو الوحيد الذي قاد وسيقود اليه الموقف والقرار الروسي،بل هو سيعري أمريكا وحلفائها من الحرب على الإرهاب،حيث هم يخوضون حرب بهلوانية استثمارية في الحرب على "داعش" ضربات محدودة غير فاعلة ومؤثرة،وكذلك تقديم الدعم ل"داعش" من جهة اخرى،فهنا ستكون حرب حقيقية على الإرهاب،وستنشأ جبهة إقليمية لها قوامها ومحورها روسيا – ايران – سوريا وحزب الله،وربما يكون العراق جزءاً منها وسيكون الباب مفتوحاً لمكونات اخرى لكي تكون جزءاً من هذه الجبهة على ضوء التطورات في اليمن،وهذا من شأنه ان يغيير من خارطة ومعادلة التحالفات والتوازنات الإستراتيجية في المنطقة،والتي قد ترجح تدريجياً لصالح محور المقاومة.
والمتغير الاخر الواضح هنا ،ان التدخل العسكري الروسي في سوريا،يرسم سقوفاً لأدوار دول الإقليم "المتورطة" في الأزمة، ويضع قيوداً لا يمكن إنكارها، على "هوامش" الحركة والمناورة التي طالما تمتعت بها هذه الأطراف طوال السنوات الخمس الفائتة، والمؤكد أن موسكو ستعلب من الآن وصاعداً، دور "ضابط إيقاع" الأحداث والتطورات في سوريا، وحتى إشعار آخر.
هذه المستجدات الناشئة عن الموقف الروسي بالتدخل العسكري المباشر في الحرب على الإرهاب في سوريا،جعلت المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية و"اسرائيل" والتوابع من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز تمتاز بالتناقض والرفض والتشكيك والهجوم على هذه الخطوة النوعية الروسية،لكونها تخلق واقع تنسيق ميداني بين روسيا ومكونات محور المقاومة بما فيها ايران وحزب الله،وكذلك جزء منها له علاقة بحرب اعلامية تضليلية وحرب نفسية ،لخلق نزاعات او خلافات بين روسيا واطراف حلف المقاومة،لكي تختلف ولا تنجح في مهمتها ومسعاها في الحرب الحقيقة على الإرهاب.
رغم كل هذه الحرب والهجوم والتشكيك والرفض الأمريكي والأوروبي الغربي للقرار والموقف الروسي،إلا أننا نرى بأن المنطقة الآن أقرب من أي وقت مضى لحلول سياسية من صنعاء وحتى دمشق
تحترم إرادة الشعوب وسيادتها، وتضع حداً للإرهاب والتطرف الديني، وتعيد للمنطقة أمنها واستقرارها تحفظه قوة ذاتية وتحالفية لا يكون لأميركا وأتباعها سيطرة أو نفوذ عليها.
بقلم/ راسم عبيدات