نقولها بوضوح وقوة وبلا تردد، فلسطين البوصلة ، فلسطين تصمد رغم الخذلان، ودماء شهدائها تنتصر رغم ما يسمى بالربيع الفاشل والأسود والدموي ، الشعب الفلسطيني يقف في الاقصى والقدس والضفة وغزة وفلسطين التاريخية ليقول بكل وضوح وقوة وبلا تردد، فلسطين تنتصر رغم الاحتلال والاستيطان والعدوان والحصار ، رغم القمع والترهيب انتفض الشعب وناصر المرابطين في الاقصى ، واكد ان ارادة الشعب الفلسطيني ستستمر في مسيرة النضال وهي تنتظر خطاب الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة ، اسراها في الميادين داخل السجون يعلنون معركة امعائهم الخاوية ، شباب فلسطين من خلال المقاومة الشعبية يدافعون عن الارض بين صخور التحدي بلا خوف.
المقاومة في مواجهة عدوان الارهابِ الاسرائيلي صامدة ، وهي رغم الجرح العميق الذي يكرسه الانقسام الكارثي تكرس وحدة الشعب والارض والقضية ، ورغم تواطؤ و خذل بعض العرب تبقى بوصلة الشعوب العربية إلى اتجاهها الصحيح بعد أن حرَفه سياسيو المال وعلماء الفتنة وحرّفه إعلام التزوير، الطفل محمد ابو خضير والطفل علي دوابشة واطفال غزة بصرخون لماذا هذا الصمت على ما تتعرض له دولة فلسطين تحت الاحتلال ، فلسطين تطالب العالم بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ، ودماء الشهداء تطالب الجميع بالوحدة والتمسك بالاهداف الوطنية المشروعة ، فلسطين تنتصر بجدارة، لذا يحق لنا الفخر بشعب فلسطين وجدارة الحياة ، فلسطين ترفض ربيعهم الاسود ، لأنه اصطبغ باللون الأحمر وخطف من بلدان عقودا تحتاجها لبناء ما دمره الارهاب التكفيري المدعوم من قوى الامبريالية والصهيونية ، وهنا تسأل فلسطين، فهل حصلت هذه الثورات العربية بفعل الحراك الشعبي حقا، أما أن يدا أخرى رسمت معالمها ومسارها قبل إندلاعها بزمن طويل، وكلنا يتذكر كسينجر عندما رسم الشرق الاوسط ، وبعد احتلال العراق ما اعلنته الادارة الامريكية عن الفوضى الخلاقة ،ومن هنا يستمر صراع الآراء والمواقف السياسية ووسائل الاعلام .
وامام هذه الاوضاع نقول ليس صدفة أن نجد القوى الامبريالية والاستعمارية والرجعية أول من ركب صهوة حصان ما يسمى الربيع العربي ليحول مساره خدمة لمصالحة الاستراتيجية في المنطقة، بل يمكن القول إن اسرائيل هي المستفيد الأكبر من كل ما جرى في دول المنطقة لتحقيق مشروعها التوسعي، حيث سعت القوى الاستعمارية بالتعاون مع بعض قوى الاسلام لدعم القوى الارهابية التكفيرية المغطاة بالدين حتى تصب المزيد من الحريق والقتل والدمار وتجزئة المجزء واضعاف آخر محاور المقاومة.
الشعب الفلسطيني الذي يقاوم منذ عقود من أجل حريته واستقلاله هو أول المنتظرين لدعم ووقوف الدول العربية والاسلامية ، التي يبدو وكأنها قد استقالت من التاريخ والجغرافية بحكم سياسات ومواقف ملوكها ورؤسائها وشيوخها وسلاطينها، أولئك الحكام الذين جعلوا من أمة بمستوى الأمة العربية، عريقة وعظيمة بشعوبها وتنوعها وإمكاناتها الهائلة بشريا وحضاريا وإقتصاديا، أمة تتسكع في ذيل الأحداث وتقف على هوامش الأمم الأخرى.
الشعب الفلسطيني يقاوم وينتظر طير الوعد العربي، لم ييأس من أمته، إذن قضية الشعب الفلسطيني هي قضية عربية ، وبالتالي لا يمكن عزلها موضوعيا عن التحديات المختلفة التي تواجهها الشعوب العربية في سياق محاولاتها للنهوض والتغيير الشامل.
هذا الواقع، يفرض مقاربة ما يجري في العالم العربي ، وإنعكاساته وتشابكه مع القضية الفلسطينية من جانب آخر، من هنا يكتسب التركيز على دعم مواقف الرئيس محمود عباس ، وعلى دعم حقوق الشعب الفلسطيني دون ضغوط ، وعلى تقديم الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني ، رغم ان الوعي العربي لا زال مثقلا بكوارث الهيمنة والاستعمار، لان ما يجري في سوريا وما جرى من احتلال للعراق وما تتعرض له مصر وما يجري في اليمن وليبيا كلها يأتي في سياق رسم شرق اوسط جديد ، الا ان صمود سوريا وقوى المقاومة ووقوف روسيا الى جانب سوريا سيرسم المعادلات والعلاقات والخيارات الإقليمية والدولية الجديدة ، وسيتحدد الموقف من الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني، فالموقف من هذا الاحتلال يشكل ثابتا لدى كافة الاحزاب والقوى العربية ، وعليه فإن جدية أي عملية تغيير في أي دولة عربية والموقف الشعبي منها مشروط بعمق الموقف والممارسة اللذان ستتخذهما القوى التي تقود عملية التغيير في تلك البلدان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فقضية فلسطين ليست قضية عابرة في الوعي العربي، بل هي قضية العرب الأولى،وهذا يستدعي مساندة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل العودة و الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
إنطلاقا من هذه الرؤية، فإن تحديد موقع ومكانة القضية الفلسطينية في سياق ما يجري في العالم العربي، يستدعي تحديد مستويات المواجهة الإستراتيجية الجارية في المنطقة والعالم، والتي في ضوء نتائجها ستتخذ معادلات الواقع ومحدداتها شكلها في المستقبل القريب، تجاه أولويات القضية الفلسطينية ، وهذا يتطلب اولا انهاء الانقسام الكارثي وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية المشروع الوطني والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية ، وبهذا تتخطى القضية الفلسطينية المأزق الذي ترتب على مشروع أوسلو ، الأمر الذي يعني استعادة المبادرة والحفاظ على الحقوق والثوابت الفلسطينية ودحر المشروع الصهيوني بالمعنى الاستراتيجي تمهيدا لهزيمته.
في إطار كل ما يجري في المنطقة يقف الشعب الفلسطيني أمام أسئلة حاسمة وأساسية، تنتظر اولا خطاب الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة ، وثانيا اجتماع لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ، وثالثا عقد المجلس الوطني الفلسطيني ، وهذه القضايا تشكل فرصة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على المستوى العربي، بما يعنيه ذلك من إعادة بناء الحاضنة القومية التي افتقدها الشعب الفلسطيني طويلا في السنوات الماضية، وكل ذلك يستدعي من القوى السياسية الفلسطينية مهمة إعادة تقييم المرحلة السابقة والواقع الناشئ وقراءة التحولات الجارية بهدف رسم الإستراتيجية الوطنية والانتقال بالقضية الفلسطينية ونضالات الشعب الفلسطيني من موقع الإنتظار السلبي أو حالة الانفعال إلى موقع المبادرة الفاعلة، التصدي لهذا التحدي ، من خلال الوقوف الى جانب قوى المقاومة ودول المنطقة بمواجهتها للعصابات الإرهابية والحلف الأمريكي الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يدعمها، حيث بات واضحا وبديهيا في وعي الشعب الفلسطيني أن انتصار هذا الحلف المعادي سيعني الانقضاض على القضية الفلسطينية تمهيدا لتصفيتها.
ختاما لا بد من القول، على الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية في الوطن والشتات، بكافة مكوناتها العمل على رسم الإستراتيجية الوطنية إنطلاقا من استعادة التوازن بين مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، وتعزيز الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية البيت الجامع للشعب الفلسطيني بكل ما يترتب على ذلك من خيارات سياسية ونضالية، واستعادة القضية الفلسطينية مكانتها في الوعي العربي كمقدمة لاستعادة مكانتها السياسية والإجتماعية والثقافية عند الاحزاب والقوى التقدمية العربية في هذه المرحلة، والتأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة السياسات والمشاريع الصهيونية، وخاصة بعد ان اصبح ان ربيعهم الاسود لم يعطي اي نتائج لشعب فلسطين بل هو ربيع لا معنى له .
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي