حياة الإنسان كلها محصورة بين نطفة وقطنة ..!!

بقلم: حامد أبوعمرة

حقيقة من المواقف التي استوقفتني هي لما قرأت قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الإنسان :

" هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا "آية -1 ..كنت حينها وكأني أقرأها لأول مرة.. هكذا بدأت سورة الإنسان كما جاء ببعض التفسيرات أن السورة بدأت باستفهام تقريري رفيق مُنَبِّهٍ للقلب ، يوقظه إلى حقيقةِ عدمه قبل أن يكون ، ومن الذي أوجده وجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن ، وجاء على صيغة الاستفهام تشويقا للسامع لينتظر الخطاب الذي يلحقه .. ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" المعنى : هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا ، فلم يكن شيئا يذكر ، أي: لم يكن يُسمَّى ولا يُتحدَّث عنه بذاته "..لذلك أقول أيها الغافلون.. أليست هذه الآية الكريمة السابقة الذكر بكافية على أن نتواضع لبعضنا البعض لطالما أننا في الحقيقة لا نساوي شيئا مذكورا ..فنحن جميعا سنصبح يوما ..ما في خبر كان بعد لحظة أو بعد يوم أو شهر أو بعد سنوات أو بعد أقل بكثير من قرنٍ في هذا الزمان ..فلما ننسج بأيدينا أحبالا من الحسّاد والذين يحقدون علينا ،ولما نصنع العداوة بيننا بدلا من أن يجمعنا لفيف من الأصدقاء ،والأحباب وأصحاب القلوب العطشى بالوفاء والبراءة والإخلاص ..قلوبٌ لا تحمل في حناياها سوى الحب ..فمنذ خمسة وعشرين قرنا من الزمان جرت على لسان "لاوتي " حكيم الصين ،حكمة بليغة لكن هل يمكنا أن نطبقها في عصرنا هذا حيث يقول "لاوتي " :( الرجل العاقل هوالذي إذا أراد أن يعلو على الناس وضع نفسه أسفلهم ،وإذا شاء أن يتصدرهم جعل نفسه خلفهم ..ألا ترى إلى البحار والأنهار كيف تتلقى الجزية من مئات الترع والجداول التي تعلوها ..؟!)

لكن.. وهل ينكر أحدا بأن الإسلام ديننا الحنيف أنه قد حث على الترغيب في التَّواضُع وحثَّ عليه ابتغاء مرضات الله ، وقد وردت نصوصٌ مِن السُّنَّة النَّبويَّة تدلُّ على ذلك:

- منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة مِن مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله.. فإذا كانت بداية خلق الإنسان من نطفة ،ونهايته قطنة صغيرة توضع في فتحاته بعدما يموت..! فماذا انتم فاعلون أيها الجبارون المتكبرون ..وهل تساوي حياتنا كلها ،ولو لحظة غرور إذا كانت محصورة بين النطفة والقطنة..؟!!

بقلم/ حامد أبوعمرة