إن حدود التطرف نسبية وغامضة ومتوقفة على حدود القاعدة الاجتماعية والأخلاقية التي يلجأ المتطرفون إلى ممارساتها. إذاً التطرف ظاهرة مرضية بكل معنى الكلمة وعلى المستويات النفسية الثلاثة، المستوى العقلي أو المعرفي، والمستوى العاطفي أو الوجداني، والمستوى السلوكي. فعلى المستوى العقلي يتسم المتطرف بانعدام القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل بطريقة مبدعة وبناءة، وعلى المستوى الوجداني أو العاطفي يتسم المتطرف بالاندفاعية الوجدانية وبشدة الاندفاع والمبالغة فيه. فالكراهية المطلقة للمخالفة في الرأي أو للمعارضة الشديدة، أو حتى للإنسان بصفة عامة، بما في ذلك الذات. هي كراهية مدمرة، والغضب يتفجر بلا مقدمات ليدمر كل ما حوله أو أمامه. وعلى المستوى السلوكي تظهر الاندفاعية من دون تعقل، ويميل السلوك دائماً إلى العنف.
واخطر اشكال العنف هو الذي يترافق مع التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي والتي يرقى بعضها الى مستوى الجرائم الدولية .. قد يبدأ العنف بأبسط صوره وهو العنف اللفظي لمهاجمة فكرة ما أو شخص ما وقد يرافقه التهديد .. الا ان الصورة الأخطر للعنف هي تنفيذ الأذى الجسدي للطرف الآخر من أجل فرض العقائد والأفكار .. وتشير الدراسات والتقديرات ان نسبة تتجاوز التسعين بالمئة من عمليات العنف التي حدثت فعلا في مختلف المجتمعات أساسها التطرف واختلاف العقائد والأفكار .. وعلينا التمييز بين التدين والالتزام بممارسة الطقوس الدينية والمذهبية والحث اللطيف على أداءها وبين التعصب.. والتطرف مهما كان نوعه ان ارتبط أو تزامن معه ممارسات عنف ولا سيما الجسدية منها ضد الأفراد أو الجماعات العرقية والمذهبية أو ضد مؤسسات الدولة فانه يتحول الى حالة الارهاب ..فالارهاب مرحلة متقدمة من العنف .. فان كان العنف وسيلة وآلية تتبع التطرف عموما فان الارهاب هو الهدف الذي يصل اليه المتطرفون والمتعصبون والمتشددون مهما اختلفت التسميات .. وكلمة الارهاب باللغة العربية متأتية من الفعل الماضي الثلاثي " رهب" بفتح الراء وجر الهاء والتي تعني "خاف خوفا شديدا " .. وقد وضعت تعاريف كثيرة لفعل الأرهاب واختلف كثير من الباحثين على ذلك ومنذ عام 1930 حيث انعقد في العاصمة البولندية وارسو المؤتمر الدولي الأول لتوحيد قانون دولي للعقوبات .. الا ان أغلب المختصين في هذا المجال يعرف الارهاب على انه الممارسات العنيفة التي ينتهجها الارهابيون لاثارة مكامن الخوف والرعب لدى الطرف الأخر الذي يقع فعل الارهاب عليه لغرض تحقيق هدف معين فكريا كان أو سياسيا كتغيير نظام أو ديمومة نظام أو تغيير ديمغرافي لمنطقة جغرافية أو تغيير عقيدة دينية أو مذهبية أو فكرية أو سياسية وبالقوة التي تصل أقصى مدى .. ان الارهاب هي وسيلة التغيير الوحيدة التي تنتهجها الجماعات الارهابية لاحداث التغييرات لفشلها في احداث هذا التغيير بوسائل مشروعة وقانونية كالحوار والاعلام والدعاية الهادفة .
والارهابيون يندرجون تحت ثلاث فئات أولها بل أخطرها على الاطلاق الآيديولوجيون والمنظرون وهم أصحاب الفتاوى للجهاد ممن يحرض على الارهاب تحت مسمى الجهاد دون الاشتراك به لجبنهم .. أما الفئة الآخرى فهي فئة المنفذون وهم الانتحاريون والمسلحون الآخرون .. الممولون هم الفئة الثالثة من تجار وأثرياء يضخون الأموال بدوافع شتى منها العقائدي ومنها الشخصي ومنها ما ينتج تحت ضغط أو تهديد من نفس الارهابيين .. لذا فان محاربة الارهاب تبتديء بتجفيف منابعه العقائدية بمحاربة الفئة الأولى أولا وتجفيف منابعه المادية بمحاربة الفئة الثالثة ثانيا ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي محاربة الفئة المنفذة.
* خصائص التطرف:
تتعدد خصائص التطرف لتشمل كل تصرف يخرج عن حد الاعتدال وذلك في كافة صور السلوك ومنها:
- تعصب المتطرفين لرأي بحيث لا يتم السماح للآخرين بمجرد إبداء الرأي، أي الإيمان الراسخ بأنهم على صواب والآخرين في ضلال عن الحقيقة، لأنهم وحدهم على حق والآخرون في متاهات وضلالات
- العنف في التعامل والخشونة والغلظة في الدعوة والشذوذ في المظهر
- النظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها
- الاندفاع وعدم ضبط النفس
- الخروج عن القصد الحسن والتسيير المعتدل
*بعض من العقائد التي تصنّف بأنها متطرّفة:
- النازية
- الفاشية
- حملات التكفير الإسلامية
- الحملات الصليبية
- التفرقة بين الشخص الأبيض والملون
بقلم/ د.حنا عيسى