هدوء أعصاب فلسطيني رسمي غريب!

بقلم: أحمد جميل عزم

لا تكاد توجد أخبار تُذكر، أو معلومات، عن لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي عُقد السبت الماضي. ولا توجد، في الواقع، أخبار عن أي جهد سياسي من أجل شيء محدد سيجري فلسطينيا، سوى الحديث عن فكرة أوروبية (فرنسية)، لتشكيل مجموعة دعم دولية للمفاوضات؛ ما يشير إلى حالة مثيرة للاستغراب من الجمود، وسط هدوء أعصاب فلسطيني رسمي غريب!
سيلقي الرئيس الفلسطيني، غدا الأربعاء، كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي العادة، بحسب السنوات القليلة الفائتة، يكون هناك ترقب دولي لما سيقوله الفلسطينيون، وحسابات لرد الفعل الدولي. لكن في هذا العام، لا يوجد أكثر من أحاديث غامضة من شخصيات فلسطينية ووسائل إعلام، عن احتمالات التلويح بوقف اتفاقيات السلام مع الإسرائيليين، والغالب أنّ هذا لن يحدث. ووصل الأمر بالفلسطينيين، وبعض الكُتاب، إلى تخيل وتوقع أن يعلن عباس استقالته من على منبر الأمم المتحدة.
يبدو المشهد مليئا بألغاز تدفع إلى السريالية (أي لتوقع مشهد غريب ودرامي، يتضمن توقع أن يفجر الرئيس قنابل على منبر الأمم المتحدة، من نوع الاستقالة وإلغاء الاتفاقيات).
الواقع أنّ اللغز الأكبر، والسريالية الكبرى، وهي عدم وجود مشهد! وأن المشهد فارغ، يجري ملؤه بخيالات القنابل السياسية.
بدلا من أن يتداول العالم أنباء عن تفاصيل ما دار بين كيري وعباس، صدر خبر بروتوكولي بلا مضمون تقريبا عن اللقاء. ثم صدرت إشاعات وأخبار من صحف إسرائيلية، بأن كيري منع لقاء كان ممكنا بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحجة أن كيري يريد حضورا أميركيا في أي لقاء مثل هذا، ثم نفى الأميركيون الخبر.
إذا أخذنا تفاصيل المشهد من دون خيالات الاستقالة، وخيالات القنابل السياسية، فإنّ المنطق يقود إلى أنّ الفكرة المطروحة هي استئناف المفاوضات، وأنّ الفرنسيين يروجون لمجموعة دعم دولية ترعى ذلك. ومن غير المتوقع أبدا أن يعلن عن شيء كهذا في هذا الأسبوع، بل أن يبحث في الأسابيع المقبلة، لأن الأمر يحتاج إلى الكثير من التحضير. وحتى لو أُعلن، فلا معنى له، سوى دورة تفاوض أخرى. ومن هنا، يصبح مبررا التساؤل عن سر هذا الهدوء في الأعصاب فلسطينياً!
إذا كانت القدس واحدة من القضايا التي تفجر أي مشروع مفاوضات أو اتفاق سلام، فإنّ الإسرائيليين في الأسابيع الماضية، يقومون بتثبيت أمر واقع في الأماكن المقدسة، ويقومون بما لم يقوموا به منذ احتلال الحرم القدسي الشريف العام 1967.
تغري تجارب الماضي بأن يفترض المراقب أنّ هناك ما هو غير معلن في المشهد الراهن؛ شيء يؤدي إلى هذا الصمت الفلسطيني، والصمت الأميركي، والعالمي. فالصمت الغريب بات يغري السياسيين والإعلام، على حد سواء، بنشر أفكار وتوقعات وسيناريوهات متخيلة، من نوع استقالة الرئيس، ومنع الأميركيين للقاء عباس-نتنياهو. وهذه التكهنات والتسريبات باتت هي ما يملأ المشهد، إلى جانب السياسات الإسرائيلية اليومية لفرض أمر واقع جديد في القدس وباقي فلسطين.
هناك تراجع فلسطيني واضح عن استخدام قنوات الأمم المتحدة، وعمّا كان يسمى، حتى وقت قريب، "التدويل" (يختفي المصطلح تدريجيا من التداول). وحتى سيناريوهات الاستقالة ووقف الاتفاقيات تشكل بحد ذاتها تراجعاً عن هذه القنوات، إلا إذا وضعت ضمن استراتيجية واسعة، لا يوجد أي مؤشر على وجودها.
أخبار المحكمة الجنائية الدولية واللجوء إليها لا تثير اهتماماً من قبل الأطراف الدولية، ولا تؤدي إلى ردود فعل سياسية تذكر. ولم يعد هناك حديث عن اعتراف دولي بدولة فلسطين (بعد الحصول على وضعية "دولة غير عضو")، كما لم يعد هناك حديث عن موعد تحدده الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال؛ هناك فقط حديث غامض عن مفاوضات، بغض النظر عن مرجعيتها وشكلها.
المشكلة أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل الصمت، ولا يحتمل حتى الهدوء الراهن. فلهذا الهدوء ثقل هائل، أو فيه "خفة لا تحتمل"، وذلك عندما توضع جنباً إلى جنب مع حرج الواقع الفلسطيني، سواء بسبب السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، أو معاناة أهالي غزة واللاجئين الفلسطينيين في فلسطين وخارجها.

د.أحمد جميل عزم