على هامش الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة التقى القيصر بوتين،قيصر روسيا مع الرئيس الأمريكي اوباما،وفي الخطابات التي تليت من على المنصة الدولية،كان جل التركيز منصباً على الأزمة السورية وعلى الإرهاب،في حين غاب أي ذكر لمعاناة الشعب الفلسطيني والإستيطان وإستباحة الأقصى والإحتلال،حتى المتحدثين العرب لم يتطرقوا للقضية الفلسطينية ومأساة الشعب الفلسطيني لا من قريب او بعيد،وبما يعكس تراجع القضية الفلسطينية في سلم الأولويات والإهتمامات ليس الدولية فقط،بل وحتى العربية فتميم بن حمد الذي القى كلمة قطر في الجمعية العامة،قال بلسان معلمه عزمي بشاره بأنه يريد حلاً سياسياً في سوريا وعلى حد زعمه ينهي الإستبداد ويفرض نظام قائم على المواطنة ويبعد شبح الإرهاب،وان تقاعس هيئة الأمم الدولية عن ايجاد حل للأزمة السورية يعد جريمة كبرى ويضعف الثقة بالمجتمع والقانون الدولي،ولم يتطرق لتقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة اسرائيل على جرائمها واحتلالها المتواصل لفلسطين منذ سبعة وستين عاماً.
واضح بأن هناك خلافات جوهرية ما بين بوتين وأوباما في القضايا العربية والإقليمية والدولية وكل طرف يتحرك من زاوية اهدافه ومصالحه،ولكن بوتين الأوضح والأكثر مبدئية في ان يسود العالم نظام أكثر عدل وانسانية وبأن تكون هناك حلول للقضايا والازمات وفق ما تقرره شعوبها وبما يحترم سيادتها وليس اوباما الذي يحور الحقائق بلغة الرئيس الإيراني حسن روحاني، ويريد ان ينصب نفسه وصيا بقوة البلطجة على الشعوب لكي يقرر لها مصيرها هو ودعاة الإستعمار الغربي أمثال هولاند وغيرهم،حيث يعتبرون بأن المدخل للإستقرار في سوريا هو برحيل الأسد،في حين أكد بوتين على أن اوباما وهولاند ليسا مواطنين سوريين حتى يقرران مصير الأسد،وفي إطار محاربة الإرهاب شدد بوتين على ان الجيش السوري ووحدات الحماية الكردية،هم فقط من يحاربون الإرهاب في سوريا والعراق والذين يجب دعمهم،بينما اوباما يتهم الرئيس السوري بممارسة الإرهاب،وبوتين يضع الإرهاب ومنظماته جميعها في سلة واحدة،في حين أوباما يصنف تلك المنظمات الإرهابية بما يخدم مصالحه،"داعش" إرهاب متطرف و"جبهة النصرة" إرهاب معتدل،حتي يكون لها دور سياسي في مشروع الحل السياسي للأزمة السورية،وبما يثبت دور أمريكا في خلق ودعم تلك الجماعات الإرهابية.
أوباما اعلن انه على إستعداد للعمل مع روسيا وايران من أجل حل سياسي للأزمة السورية،ولكن المداخل لهذا الحل متناقضة،والتغير الأمريكي نتاج للتغير في المعادلات وليس لقناعة امريكية،ولفشل سياستها في محاربة الإرهاب وحل الأزمات بالقوة العسكرية،فلولا صمود ايران تحت الحصار (35) عاماً،والخطوة الروسية النوعية في الدعم العسكري النوعي لسوريا والمشاركة بشكل مباشر في محاربة الجماعات الإرهابية من "داعش" الى "النصرة" وغيرها من الجماعات الإرهابية،لما لمسنا هذا التحول والتغير،ولعل قول الرئيس بوتين بتمدد الإرهاب وشموله لدول أخرى بما يهدد الإستقرار والسلم العالميين،شكل نقطة أخرى في هذا التحول،ولكن أمريكا ما زالت تتصرف هي ودول الغرب الإستعماري بعقلية البلطجة وشن حروب خارج إطار الشرعية الدولية لتغيير انظمة،وكذلك العمل على زعزعة أركان الشرعية الدولية،بما يؤدي الى انهيار هياكل العلاقات بين الدول،وشدد بوتين على أن الحرب الحقيقية على الإرهاب،تكون من خلال قطع شرايين الإمدادات والتمويل للجماعات الإرهابية،بما في ذلك تهريب النفط،والذي يتم بموافقة ومعرفة امريكا ولص مصانع حلب في تركيا،وهذا يثبت عدم جدية امريكا في محاربة الإرهاب،بل توظيف تلك الجماعات لخدمة اهدافها ومشاريعها.
الزعيمين اتفقا على ضرورة عدم وسم الإسلام بالإرهاب،ولكن بوتين كان اوضح بالقول بأن ما يسيء للإسلام هم المسلمين أنفسهم،حيث هذه الجماعات المتأسلمة التي تتبنى فكر إنغلاقي إقصائي تكفيري،وما تقوم به من أعمال وما ترتكبه من جرائم وحشية تشوه قيم الإسلام،ولذلك المطلوب من مشايخ وعلماء المسلمين ان تعبر عن موقف واضح في هذا الإتجاه برفض مثل هذه الأفكار والأعمال الإجرامية،والعمل على توعية الشباب لكي لا ينجرفوا للتجند والعمل مع تلك الجماعات الإرهابية.
وفي قضية اللاجئين كانت المواقف متباينه،فأوباما أعلن عن استمر تقديم حكومته الدعم لصالح اللاجئين،في حين بوتين قال يجب تقديم الدعم للدول التي التي تعرضت شعوبها للتهجير بفضل الإرهاب مثل سوريا والعراق وليبيا،بالإضافة الى إصلاح هياكل المؤسسات في تلك الدول التي دمرها الإرهاب حتى تتمكن من مساعدة وتقديم الدعم للاجئين.
وأوباما تجلت وقاحته بشكل سافر عندما تحدث بأن العقوبات فرضت على ايران من أجل التأكد من سلمية برنامجها النووي،وهو يعلم تماماً بأنه لو لم تصمد القيادة والشعب الإيراني تحت ضغط العقوبات الأمريكية الظالمة (35) لما سلمت أمريكا والغرب الإستعماري بحق ايران في إمتلاك التكنولوجيا النووية لا للبرامج السلمية ولا العسكرية.
أمريكا لم تعد شرطي العالم والقطب الوحيد المتحكم بمصائره،روسيا تعود بقوة للساحة والمسرح الدولي،وتتشكل تحالفات ومعادلات جديدة في المنطقة،حيث تترسخ التحالفات بين موسكو وطهران،ايران التي أضحت بعد توقيع الإتفاق النووي قوة إقليمية،وجزء من الحل في الأزمات الإقليمية والعربية في العراق وسوريا واليمن وغيرها.
ولذلك واجبنا كشعب فلسطيني وعربي الإستفادة من تلك المتغيرات والتحالفات،فأمريكا التي لم يأت رئيسها على أي ذكر للإحتلال الصهيوني لأرضنا الفلسطينية وممارساته بحق القدس والأقصى،لن ينصف شعبنا أبداً،فهو وكل الإدارات الأمريكية لا ترى الأمور إلا بعيون اسرائيلية،ومصلحة وامن اسرائيل فوق كل العرب،وما دامت القيادات العربية تعاني من عقدة الإرتعاش السياسي المستديمة والتعامل الدوني مع أمريكيا،ولا تستخدم قدراتها الإقتصادية والنفطية والمالية في تعاملاتها مع أمريكا والغرب الإستعماري،فسيبقى العرب خارج التأثيرات والمعادلات في القرارات والسياسات المتعلقة ليس فقط بالقضايا الدولية والإقليمية،بل حتى في مصائرهم أنفسهم وفي قضاياهم.
بقلم : - راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
29/9/2015
0524533879
[email protected]