الأحداث التي تشهدها مدن الضفة الغربية توحي بأن كرة الثلج بدأت بالتدحرج أو على أقل تقدير بدأت بالتشكل، فهل نحن على أبواب إنتفاضة ثالثة؟، وإلى أي مدى يمكن لكرة الثلج أن تتحدرج؟، كيف سيكون رد الفعل الإسرائيلي؟ هل ستعمد حكومة الإحتلال إلى إذابتها أم أن رد الفعل الإسرائيلي سيدفعها نحو منحدر يتعاظم فيه حجمها؟، وفي المقابل هل ستمنح السلطة الفلسطينية كرة الثلج القدرة على الحركة؟، وهل المصلحة الفلسطينية تتطلب منا أن نتركها تشق طريقها دون ناظم لايقاعها؟.
حكومة الاحتلال لم تترك نافذة يمكن من خلالها أن نطل على حل الدولتين إلا وأوصدتها، فيما فتحت الأبواب على مصاريعها أمام المستوطنين كي يعيثوا فساداً في الأرض معتمدين على الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة لهم، وعوضاً عن لجم ارهابهم وملاحقة ومعاقبة الذين ارتكبوا جريمة حرق الطفل محمد أبو خضير وعائلة الدوابشة، باركت الحكومة اليمينية جرائمهم بمزيد من التوسع الاستيطاني، وتعمدت انتهاك حرمة المسجد الأقصى بين الفينة والأخرى، حتى وصل بها الأمر إلى تبنى سياسة التقسيم الزماني للمسجد الأقصى أسوة بما فعلته سابقاً في المسجد الابراهيمي.
غياب رد الفعل الفلسطيني على الاعتداءات اليومية للمستوطنين، تم ترجمته اسرائيلياً بأن السلطة الفلسطينية أضعف من أن تتواجد في موضع المواجهة، وأن التهديدات الاسرائيلية سواء كانت المالية أو العسكرية شلت رد الفعل لديها، وعدم التصدي لإرهاب المستوطنين دفعهم لرفع وتيرة إعتداءاتهم الهمجية، لم تحاول حكومة الإحتلال أن تفهم أن الصمت الفلسطيني لم يكن بفعل تهديداتها، ولا بفعل ما يمكن أن تذهب إليه ببطشها وعربدتها، ولا بفعل ميزان القوة وقوة الردع التي تتغنى بها، بقدر ما اتسم بالعض على الجراح لإعطاء مساحة للمجتمع الدولي أن يلجم دولة الاحتلال ويجبرها على احترام الإرادة الدولية.
لم يعد السؤال منطقياً المتعلق بجدوى اندلاع إنتفاضة ثالثة، حتى تلك الأصوات التي تنادي بالتريث، على إعتبار أن لا أحد يمكن له التنبؤ بالنتائج التي يمكن أن تفضي إليها، خاصة وأن تجربة الشعب الفلسطيني مع انتفاضة الأقصى كانت مغايرة عن تلك المتعلقة بالإنتفاضة الأولى، باتت تلك الأصوات عاجزة عن وضع البديل الملائم لمواجهة التغول الإسرائيلي، والحقيقة أن الممارسات الإسرائيلية سواء تلك المتعلقة بالإنتهاكات اليومية للمسجد الأقصى وسياسة التهويد الممنهجة وانتشار السرطان الاستيطاني على نحو غير مسبوق، وعربدة المستوطنين بحماية من جيش الإحتلال، كل ذلك يدفع بالشعب الفلسطيني نحو انتفاضة جديدة.
سواء اتفقنا أم اختلفنا على أن كرة الثلج بدأت بالتدحرج، وأن ما تشهدة الضفة الغربية من أحداث يؤسس لميلاد انتفاضة وإن كانت مغايرة عن السابق، فالمؤكد أن الإنتفاضة لا تحتاج شهادة ميلاد يحررها هذا الفصيل أو ذاك، والمؤكد أيضاً أن الأحداث في الضفة شكلت كرة الثلج، ولن يكون بمقدور أحد أن يوقف تدحرجها إن بدأت تشق طريقها طبقاً لقانون الفعل ورد الفعل، وأعتقد أن التجارب السابقة تؤكد لنا أنه من الصعوبة بمكان ضبط إيقاعها، وما نخشاه أن يفرض الإنقسام أجندته عليها والذي من شأنه أن يفقدها بوصلتها ويحملها ما لا تحتمله ويفرغها من الكثير من نقاط قوتها.
بقلم/ أسامة الفرا