الانتفاضة الثالثة بين ...المطالبة .. والرفض .

بقلم: وفيق زنداح

ليس مألوفا ومعتادا الحديث بصراحة متناهية في ذروة المواجهة مع هذا الاحتلال الظالم وقطعان مستوطنيه وفي واقع صمت دولي وعربي يصعب تفسيره ....لكنها الصراحة الواجبة والمسئولة التي لا تخاطب العواطف ولا تعمل علي إرضاء هذا أو ذاك ... الصراحة التي تخاطب العقول والضمائر والقلوب وتستند الي تجارب نضالية أعتقد أن من الواجب أن نكون قد استخلصنا العبر والدروس المستفادة منها ..حتي لا نقع بالأخطاء ..و نربك أنفسنا ....ونخلط أوراقنا ...ونحيد ببوصلتنا.
ما يوجد علي الساحة الفلسطينية مواجهات محتدمة بين شباب ثائر ..وعدو غادر ..بين شباب منتقض يريد للاحتلال أن يزول ..وبين قوات احتلال واستيطان تريد أن تبقي جاثمة علي صدورنا وتدنس أرضنا ومقدساتنا وتعمل علي تهويد عروبة أرضنا .
ما يجري علي الارض الفلسطينية صراع بين الحق والباطل ...لكن أصحاب الحق لا زالوا علي حالهم الفصائلي والنخبوي ...ولا يريدون أن يتعلموا دروس الماضي وحقائق الواقع واستخلاصات التجربة النضالية الطويلة لهذا الصراع الممتد منذ عقود ....فلا زالوا يتناكفون حول المسميات هل هي انتفاضة ثالثة أم هبة جماهيرية أم هبة شعبية أم ردات فعل ؟!....وكأن للتسمية من قدسية لا نعرفها ولا نقدر أبعادها ودلائلها.
ان كنا نتحدث عن انتفاضة ثالثة فسيبقي السؤال من الذي يحدد أننا في انتفاضة ثالثة ؟؟ ومن الذي حدد أننا في انتفاضة شعبية بالعام 87 ؟؟ حتي من الذي حدد بأننا في انتفاضة الاقصي 2000؟؟.
الشعب الفلسطيني صاحب النضال والتضحية الذي يدفع بدماء أبنائه وأرواحهم والذي يتحمل كافة التبعات الحياتية من جراء المواجهات واحتدام الصراع مع هذا العدو المجرم هو من يقرر أولا وأخيرا أنه علي جاهزية تامة للدخول بمعترك المواجهه الشاملة بكل ما يملك ...وبكل ما تطول يداه وما يستطيع فعله ...وللقوي السياسية صاحبة التجربة أن تنظم كافة الافعال الكفاحية وأن وأن تصون تحركاتها وأن تدعم بكافة السبل شعبنا وجماهيرنا ...لكن الاولي قبل كل هادا وحتي تستطيع القوي السياسية أن تؤدي دورها المناط بها أن تكون علي قلب رجل واحد ...وأن لا تعيش أزمة الثقة ....وأن لا يصل الحد الي درجة التطاول والتخوين وكأن من يطالب بانتفاضة ثالثة ...هو أكثر وطنية مما يعارضها .
حقيقه الامور وما يشاهد لا يوفر للمراقبين أن هناك تحشيد ...وأن هناك استعدادا ..وان هناك مقومات ومتطلبات انتفاضة ثالثة ...ليس قصورا في العطاء والتضحية ...كما أنه ليس قبولا بهذا العدو وعدوانه وممارساته ....فالمواجهة محتدمة ومستمرة طالما استمر المحتل وقطعان مستوطنيه في ممارساتهم وعدوانهم ...فالقرار الاسرائيلي الحكومي هو من يحدد تفجير الاوضاع ودخول المواجهه الي مرحلة اللاعودة ...فاذا كانت حكومة نتنياهو راغبة في تغليب لغة العقل وانهاء سياساتها العنصرية الاستيطانية والالتزام بالاتفاقيات وقرارات الشرعية الدولية حتي نوفر المزيد من الدماء والارواح .
المطالبين بانتفاضة ثالثة لهم الحق بمطالبتهم ....كما الرافضين لها لهم الحق أيضا في رفض الدخول في متاهاتها دون دراسة شاملة ...واستعداد تام ...وتصليب لجبهتنا الداخلية... وتعزيز لوحدتنا الوطنية .
ونعود لسؤالنا المركزي والاهم في هذا الوقت العصيب وفي ظل هذه الظروف الموضوعية والذاتية لنسأل هل الشعب الفلسطيني يريد انتفاضة ثالثة ؟؟وهل تتوفر مقومات هذا الفعل النضالي الذي يمكن ان يطول لسنوات ؟.
القراءة الموضوعية والمتوازنة وبعيدا عن المزايدات ومحاولات الالتفاف حول الكلمات والعبارات وسياسة شد الحبال والتلاعب بالالسنة والالفاظ ...ودغدغة العواطف ...فإنني اري:
أولا : ارادة شعبنا قوية وصلبة ...ومعنوياتنا عالية ..ولم نبخل بالدماء والأرواح من أجل حرية أرضنا وكرامتنا ...لكننا بحاجة الي تحديد الخطوات المدروسة بعيدا عن الانفعالات وردات الفعل .
ثانيا : خوض المواجهات المفتوحة دون سقف زمني ودون توفر مقومات الصمود والمتطلبات الوطنية الوحدوية يعتبر مجازفة غير محسوبة يجب ادراك مخاطرها .
ثالثا : ضرورة وجود حالة وطنية وحدوية في اطار استراتيجية وطنية ناظمة للمواقف والتحركات والأفعال ...وليس ترك الابواب مفتوحة لكل فعل أو قول ...دون ناظم أو حاكم له .
رابعا : خطورة قلب الطاولة في واقع ما تحقق من مكتسبات سياسية ودبلوماسية وما نتمتع به من تأييد دولي كبير ....في ظل فقدان اسرائيل وحكومة نتنياهو للدعم الدولي وحتي الخلاف من ادارة أوباما ....ليس بالأمر الهين مما يجعلنا في موقف المدافعين والمتمسكين بحقوقنا دون التفريط أو التنازل واستمرار الضغط السياسي لإلزام هذه الحكومة العنصرية علي الالتزام بقرارات الشرعية الدولية .
خامسا : القيادة الفلسطينية وعلي رأسها الرئيس محمود عباس وبحكم مسئولياتها الوطنية والتاريخية تتحرك وبكافة الاتجاهات لما فيه المصلحة الوطنية العليا ...وبعيدا عن الحسابات الضيقة .
سادسا : الواقع الاقليمي الذي يحيط بنا في أسوء أحواله وبالتالي فنحن نفقد الكثير من عمقنا العربي في ظل ما يعصف بالمنطقة من مشاكل وقلاقل في ظل الارهاب المصدر للمنطقة .
سابعا : الواقع الدولي ليس بأولوياته القضية الفلسطينية في ظل تصدر العديد من القضايا الدولية وما يجري المحاور والتحالفات الدولية وتحقيق أهداف استراتيجية بعيدا عن مصالح المنطقة وشعوبها .
ثامنا : ارتباط الاعلام الدولي بأولوية القضايا العالمية وغياب القضية الفلسطينية حتي أصبح الخبر الفلسطيني عبارة عن أعداد الشهداء والجرحي وليس تحليل لرؤية سياسية تدفع الي تنوير الرأي العام العالمي بقضيتنا وحقوقنا وما يدفعنا للدفاع عن أنفسنا في ظل هجمات المستوطنين وقوات الاحتلال .
تاسعا : المؤسسات الدولية عاجزة عن الفعل والتحرك كما حالها منذ عقود في ظل معادلة التحكم الامريكي بالقرار الأممي بالرغم من التصاعد الروسي والصيني .
ازاء ما سبق .. يزيد من امعان العقل ...وعدم ترك أمورنا ومصالحنا لحسابات ضيقة ...فالمبدأ العام الذي جبلنا عليه وتمرسنا حوله ومن خلفه أننا أصحاب قضية وحرية ومن حقنا أن نكافح وأن نناضل من أجل حريتنا وكرامتنا ...وسوف يعلو صوتنا ويستمر في وجه هذا المحتل وقطعان مستوطنيه...وليس بقاموسنا وأولوياتنا الوطنية ما يمكن أن يكون قبولا بالمهادنة أو الاستسلام أو رفع الراية البيضاء ....شعبنا الفلسطيني ومنذ عقود طويلة ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية قدم مئات الالاف من الشهداء والجرحي والاسري ...الا أن هذا العطاء الثوري الكفاحي بحاجة الي أرضية واطار ناظم ...بقواعد ومنطلقات وحدوية ...ورؤية شاملة ..وأولويات وطنية محددة ..والتزام بوحدتنا والتفافنا حول قيادتنا ورئيسنا ...وأن ننهي هذا الفصل الانقسامي من تاريخنا ...وأن نعيد المجد لوحدتنا ولنضالنا المشترك ...حتي تتوفر كافة المقومات والوسائل المطلوبة وعندها سيتم تحديد ما يمكن عمله .

الكاتب : وفيق زنداح