القدس والمعادلة الفلسطينية

بقلم: أسامة نجاتي سدر

دولة فلسطين = القدس + العودة + اللاجئين + العودة + السيادة + المعابر + الإرث التاريخي + ...
معادلة يولد الفلسطيني متقنا لها مؤمنا أنه يستطيع حلها ولو حتى في آخر عمره، فهو خبير في حدودها وقادر على تحديد مكوناتها بدقة، ووصف أجزائها للعالم بحرفية يعجز عنها الأدباء كتّابا وشعراء، ويفهم معنى الجمع وكيف سيكون الناتج كيانا واحداً متماسكا وقوياً، وهو يعلم أن الحل يقع على طرفٍ بعيد لا مناص من الوصول إليه مهما طمع العالم بتغيير مكوناتها أو قيمها أو حذف بعضها، فهو يدافع عنها حتى تكون كل أجزائها ثوابت لا سبيل لتغييرها لدى هذا الجيل أو الأجيال التالية، لكن حين تصبح المعادلة باهتة في الأفق رغم الغيوم والعواصف لأبناء فلسطين التاريخية ومشوشة لدى الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ومستهدفة لدى اللاجئين في كل أقطار الكون تبقى القدس هي الثابت الأشد وضوحاً لدى الشعب الفلسطيني والأشد استهدافاً لدى اليهود والعالم، فالصراع مركّزٌ على نسف جزء من عقيدة المسلمين يتمثل في المسجد الأقصى وبناء وهمٍٍ يرتكز عليه الصهاينة لحكم العالم وسلب ثرواته وقهر شعوبه دون حربٍ أو شهداء إلا من المسلمين والمستضعفين في الأرض إذا أقاموا معبدهم مكانه، وهي خصوصية للشعب الفلسطيني لا يملكها أي شعب في العالم كونها قبلة لأكثر من مليار ونصف مسلم رغم تحول قبلة الصلاة قبل 1430 عاما، تجعله مندوباً لحمايتها ومسؤولاً أمامهم وبالتالي ينتظر الدعم والإسناد، ولابد أن يجد متذمرين من الثمن ومتهربين منه إذا تاهت النزعة الدينية والوعي السياسي بين أعباء الحياة ومستنقع السياسة بأطيافه المختلفة.
لطالما انتظرت الصهيونية العالمية فرصة لتحقيق مخططاتها الدنيئة، بعدما ضاعت الفرصة عام النكسة، حين صدمت مفاجأة الضربة الجوية الأولى والزحف الخاطف على الدول الثلاث، مصر وسوريا و الأردن جيوش الدول العربية وقادتها، فعملت على إنشاء واقع مشابه لتلك الفترة، تكون فيه سوريا ومصر تحت قيادةٍ رعناء تظهر ما لا تبطن وتصنع مجداً إعلامياً أكبر من المجد على الأرض، والأردن يتملكه الرعب من احتمالية البقاء والإخوة الأعداء، وحبذا لو كانت العراق في بحر دماء تقيده عن أي عمل في ملعب العالم.
انشغل الشعب المصري بثورةٍ كانت أملاً لأكثر من جيل انقلبت كابوساً سيقضُّ مضاجع أكثر من جيل، تكاد أحداث الالتفاف عليها وما وصلت إليه توقّعُ من الموساد بفخر، ومن قبله سُحق السوريون بين كل مطرقةٍ وسندانٍ في العالم، حتى لم يبق لهم إلا الموت والجوع والضياع بين أمواج المحيطات بحثاً عن أي حياة، وليبيا تراق بها الدماء لحساب هذا أو ذاك دون حسمٍ يخلق استقراراً أو يصيغ قرارا، والخليج غارق في دوامة صراعات بين القادة على السيطرة والوجود، عالق في مستنقع الحرب على اليمن، أما الأردن فيسير على الحبال ويحلم بألا يقع في هاوية الثورات وأتون السيطرة الاقتصادية والسياسية من الغرب وعملائه، ثم يناضل لحفظ ماء وجهه أمام ضيوفه الجدد من سوريا والعراق وغيرها، ويبدو أن سحاب الطائفية والظلم في العراق يحجب عنه النور.
قيدت اتفاقيات السلام الثورة الفلسطينية بأغلال من الصعب أن تتخلص منها رغم مرور الوقت وكثرة الانتهاكات الإسرائيلية، إلا أن الأكثر صعوبة هو تبني التفاوض استراتيجية وحيدة والتخلي عن المقاومة كرادع للمحتل ومن خلفه المنظمات الدينية الصهيونية الاستيطانية المتطرفة، ورتب هذه الصفات كما تشاء، مما أدى إلى خفض سقف المشروع الوطني وازدياد أطماعها شيئا فشيئا، كما زاد ذلك من الهوّة بين جناحي الثورة المتناقضين وجعل طرفي الوطن يقسوا على بعض أبنائه هنا وهناك.
وها هو الأقصى عارٍ لا يغطيه إلا رجالٌ يرفضون عار التقاعس عن حمايته بعد أن ثارت من أجله انتفاضة قضى فيها الآلاف واستشهد من أجله رئيس، سلاحهم أغصان الزيتون القاسية وحجارة الوطن، ونساءٌ لبّين نداء الله والأقصى فوقفن سداًً أمام بلدوزرات الحقد والهمجية بأجسادهم وكرامتهم، يتملكهم اليأس من نصرة القريب ودعم البعيد بل يأس من غضبة لله من أعماق القلوب تردع المعتدين وتزرع في قلوب الأجيال أمل التحرير وصلاة النصر في باحاته.
تنمّرت الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وسلطته واتخذت من الاقتصاد لجاماً تقهره به، في غياب أي رد فعل مقاوم على الأرض أو حتى دبلوماسي في دول العالم وأقبية الأمم المتحدة، بل في غياب دعمٍ عربي ودولي رسمي غير مرتبط بإملاءات معينة أو مواقف سياسيةٍ، وخضعت القيادة الفلسطينية تحت عبء التنسيق الأمني والخلافات بين القادة التاريخيين والقادة الجدد من جهة وقطبيِّ الوطن المتناقضين فكريا وتنظيميا، حتى أصبحت في نظر البعض عصاً ضد شعبها، ولعبة مهانة يتلاعب بها الأخ والعدو لتحقيق مآربه وأهدافه عن طريق الاقتصاد والمنح المشروطة.
إلا أن أحد أطراف المعادلة لا يمكن للعالم أن يتنبأ برد فعله، أو تأثيره على الطرف الآخر لأنه جبار لا يخضع إلا لقدَرِه الذي اختاره له الله مدافعا عن دينه وعِرض أمّته الذي يُنتهك في كل يوم بالمسجد الأقصى ولا غاضب حتى لو صرخت أمام الإعلام مومس بسبِّ محمد عليه الصلاة والسلام، وحرقت عائلة كاملة أولها رضيع مع سبق الحقد والإصرار، وصب البنزين في جوف مراهق ثم حرقه، أو القتل على الحواجز لأتفه الأسباب، أو ربما إعدام محجبة ترفض أن تظهر وجهها لحاقد،... قدره أن يصمد في ساحات القتال ولو تحطم فوق أهله العمارات ووضع العدو كامل ثقله العسكري في المعركة، وهو على استعداد لأن يذيب الشحم واللحم حتى يحصل على حريته، بل أن ينتقم بخنجره العاري وفاء لوعده لوالد شهيد، قدره أن يستمر في ثورته حتى تكون القدس عاصمة الأمة المقدسة، وشمس الحضارة الإسلامية في العالم.
أسامة نجاتي محمد سدر