لم يكتف رئيس حكومة الاحتلال في مؤتمره الصحفي، بحضور وزيري الجيش والأمن الداخلي ومفتش عام الشرطة على خلفية الأحداث التي تشهدها مدن الضفة الغربية، بتحميل السلطة الفلسطينية وحركة حماس مسؤولية ما يجري في الضفة الغربية، بل وجه اتهاماته أيضاً إلى عدة دول إقليمية دون أن يذكرها، وأعاد فتح اسطوانة التهديد والوعيد التي إهترأت من كثرة تكرارها، وأفصح عن جملة من الاجراءات التي تتخذها حكومة الاحتلال لمواجهة الهبة الشعبية الفلسطينية، حيث طالب القضاء دراسة إمكانية إغلاق المحال التجارية التي لم يقدم أصحابها المساعدة لليهود الذين تعرضوا للطعن في البلدة القديمة، وأثنى على سياسة هدم المنازل وزيادة وتيرة الاعتقالات الإدارية والقرار الذي اتخذته الحكومة مؤخراً الذي يسمح لشرطته بإطلاق النار على ملقي الحجارة.
ما يثير السخرية في المؤتمر الصحفي ويؤكد أن الهبة الشعبية أفقدت قادة الاحتلال الكثير من رشدهم، هو ما جاء على لسان وزير الأمن الداخلي "غلعاد اردن" حين قال بأنه سيتم مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي حتى يتم اعتقال كل من يحرض أو يؤيد أو يشارك بتنفيذ العمليات، ولو توقفنا عند تهمتي التحريض والتأييد عبر شبكات التواصل الاجتماعي سيكون لزاماً على دولة الاحتلال أن تستأجر سجون العالم كي تتسع للفلسطينيين المؤيدين للهبة الشعبية والذين يجدون في شبكات التواصل الاجتماعي مساحة للتعبير عن غضبهم من ارهاب المستوطنين والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.
المأزق الذي تعيشه حكومة الاحتلال لا يتعلق بقدرتها على تنفيذ تهديداتها، لكنه يكمن في معرفتها المسبقة بأن أي منها لن يكفل لها محاصرة الهبة الشعبية بقدر ما يصب الزيت على النار، وهي تدرك جيداً أن تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية على نمط عملية "السور الواقي" التي أقدم عليها شارون عام 2001، كما ينادي بذلك أقطاب في الحكومة ومعهم قيادات من اليمين الاستيطاني، سيؤدي حتماً إلى حل السلطة الفلسطينية والعودة إلى مربع الاحتلال المباشر، والذي من شأنه أن يفرض على المجتمع الدولي التعاطي مع فلسطين دولة تحت الاحتلال، والأهم من ذلك أن هذا الخيار لن يعيد الهدوء إلى مدن الضفة الغربية بل سيعمل على توسيع الهبة الشعبية ويدخلها في مكونات الانتفاضة المتكاملة.
ما يجدر التوقف حياله بكثير من الاهتمام أن الهبة الشعبية أعادت للقدرات الذاتية مكانتها، والتي يجب أن تبقى دوماً محور منهجنا، ومن المفيد المحافظة على طابعها الشعبي دون أن يمتطي صهوتها العمل الحزبي الضيق، سيما وأن الهبة الشعبية الآخذة في الاتساع شكلاً ونوعاً تخرج رد فعل الاحتلال عن السياق الذي إعتاد عليه في توجيه ضرباته للمقرات الرسمية والحزبية، ولا يمنح اسرائيل المساحة التي يمكن من خلالها أن توسع فجوة الانقسام كما كانت تفعل دوماً.
الواضح أن الهبة الشعبية التي تحمل في رحمها جنين الانتفاضة تجاوزت تفاصيل الانقسام، ونجحت في تحقيق ما عجزت عنه قيادات الفصائل في طي صفحة الانقسام، لا شك أن اللوحة النضالية يشارك فيها الكل الفلسطيني والأهم أنها أغلقت الأبواب أمام لعبة تسجيل النقاط لهذا الفصيل أو ذاك، وبإستطاعتها أيضاً أن تغلق الأفواه التي تعتاش على الانقسام وإفرازاته.
أسامه الفرا