هنا على هذه الأرض التي وهبت زرعها للشمس وعطرها لحنون الجبل، مساحة للفرح والحياة، لأنها الأرض التي تمنح الأمل برغم الألم الذي يلفها بسبب عباءة الدخان الأسود التي تنبعث من الرصاص الغليظ وفوهات مدافع دبابات الاحتلال التي تصادر الفرح وتنثر الموت في شوارع بلادنا دون رادع.
إن هذا الاحتلال الأسود الغاشم، الذي يصعّد من هجمته الحاقدة هذه الأيام ويستبيح مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في قدسنا العاصمة ويقتحم بسوائب مستوطنيه وزراء حكومته وبرعاية من جيشه المحتل المسجد الأقصى المبارك، ويُشرعن في برلمانه الاحتلال في أوقح سابقة في التاريخ الحديث، ويستولي على الأرض الفلسطينية ويوسع استيطانه البغيض عليها ليصنع أمراً واقعاً حسب هواجسه، لم يدرك بعد أن في فلسطين شعباً يحب الحياة حباً جماً ما استطاع إليها سبيلاً، ولكنه يموت من أجل كرامته وحريته لكي يوفر بيئة الحياة الكريمة لأجياله القادمة التي تستحق الحرية كباقي شعوب الأرض.
ليس مفاجئاً ما يجري على هذه الأرض أمنا الأولى، ومفتاح بيتنا الأول، شجرنا العالي، والوطن المشتهى المخطوف قسرا، وهو ليس "تراجيديا" غير متوقعة وإنما نتاج طبيعي ومتوقع جداً، لأنه ممارسات احتلال ضد شعب حر سلبت حريته قسراً وظلماً وبقوة السلاح، ولكنه لا زال يناضل من أجل الحياة ..ليس أية حياة ـ وإنما الحياة الكريمة الحرة، نعم الحرة وليس أقل من ذلك، فهذا الزيتون لا يرضى بسماء أقل.
ليس سرًا أن ما سرَّع في نشوب هذه الغضبة وهذه الهبة الشعبية هو ما يجري في المسجد الأقصى المبارك ومحاولات التغيير الزاحفة، مثل إغلاق بواباته في ساعات معينة لاقتحامات اليهود، في الوقت الذي يُمنع فيه المسلمون من الدخول للصلاة، عدا عن اقتحامات متطرفين يهود له يوميا بحماية شرطة الاحتلال التي أظهرت شراسة غير مسبوقة هذه الأيام.
وكنا قد حذرناهم قبل أكثر من عام ونصف في جلسة لجنة الداخلية بأن الانتفاضة الثالثة ستندلع بسبب الأقصى ولكنهم بعنجهيتهم لم يصغوا بل تمادوا.
ما الذي جرى ليصل الوضع إلى هذه الدرجة ومحاولة وصفه بأنه نتاج للتحريض وغيره؟
ما جرى أن إسرائيليين أصيبوا وهوجموا وجرحوا وقتلوا، واذ بالإسرائيليين يغضبون ويستيقظون.
هنا يكمن المرض وتكون العلّة، فيوميا يسقط الفلسطينيون جرحى وشهداء، والحياة في إسرائيل مستمرة بشكل اعتيادي ،والإسرائيليون يتمتعون بقهوة الإسبرسو في تل أبيب، بينما الفلسطيني يُهان ويُحاصَر ويُجرَح ويُقتل وتُصادَر أرضه وتمس مقدساته ويمنع من الصراخ وهو أضعف الإيمان.
إننا أمام نظام وحكومة هي الأكثر تطرفا في العقود الاخيرة، حكومة استيطان بامتياز، جعلت المستوطنين أسياد البلاد، ومكنتهم من التعامل مع الأغيار حسب فكرهم العنصري بشكل علني وصارخ، حتى أصبحت حكومة متطرفة لدرجة أن نتانياهو صار أكثرهم "اعتدالا" او أقلهم تطرفا. لا اتفق مع هكذا حكومة ولا سلام.
من قال إن حياة الإسرائيلي أغلى من حياة الفلسطيني؟ هل تحتكرون الألم والفقدان؟ هل أمهاتكم تثكل وأمهات شعبي تبحث عن موت أولادها؟
نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا..
ثم انظروا لمفرداتكم: اليهودي " يُقتل " والفلسطيني " يلقى حتفه" .
الإرهابي اليهودي الذي يحرق مسجداً او كنيسة ويعتدي على مقدساتنا الاسلامية والمسيحية، والذي يحرق عائلة فلسطينية كما حدث مع عائلة دوابشة، وكل أولئك المتطرفين الذين ينفذون اعتداءاتهم تحت مُسمّى " تدفيع الثمن " على بلدات فلسطينية وبلدات في الداخل ايضاً، ما زالوا أحراراً في ظل تقاعس شرطة اسرائيل في الوصول اليهم واعتقالهم رغم انهم معروفون لديها، وادعائها بعدم قدرتها على اثبات فعلتهم لعدم كفاية الأدلة . بينما يُغلق جيش الاحتلال بلدات فلسطينية كاملة، يقتحمها ليلاً ويُرعب اهلها لاعتقال شاب فلسطيني مطلوب بالنسبة لهم في غضون ساعات معدودة.
وأمام هذا كله لا يمكن لأي إنسان صاحب ضمير حر أن يعايش ذلك ويصمت فكيف إذا كان فلسطينيا في أية بقعة من هذا الوطن!؟
نحن جزء حي من هذا الشعب نحمل آماله ونشعر بآلامه. نألم معًا ونحلم معًا، نغضب في الناصرة والجليل ونصرخ في الطيبة والمثلث ونحزن في راهط والنقب، ليس فقط من حقنا أن نصرخ ونحتج بل من واجبنا ذلك .
إن ما تقوم به شرطة إسرائيل في البلدات العربية من قمع للتظاهرات واعتقالات واعتداءات وحشية هو استمرار لتعاملهم معنا كأعداء وليس كمواطنين لهم حق التظاهر والغضب.
إضافة الى ذلك دعوة المجتمع الإسرائيلي من قبل مسؤولين اسرائيليين رسميين لأن يحملوا أسلحتهم معهم، بمعنى شرعنة قتل الفلسطيني العربي ، ومنح " صلاحية " إصدار الحكم والتنفيذ الفوري بالقتل بين أيدي كل يهودي تجاه كل عربي.
نحن نعي وضعنا المدني الخاص قانونيا وسياسيا ولكننا جزء من أمة عربية، وشعب فلسطيني يُعتدى عليه كل يوم وكل ساعة ولن نصمت.
إن تصريحات وتعليمات القيادة السياسية في اسرائيل وقيادة الشرطة بإطلاق النار فورا كما حصل مع فادي علون، وهديل الهشلمون، وبالأمس مع إسراء عابد، وبالمقابل عدم اطلاق النار على اليهودي الذي طعن أربعة فلسطينيين إصابة اثنين منهم بالغة، وهدم بيوت الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات بالسكاكين كونهم "إرهابيون" فيما توسع بيوت المستوطنين الذين أحرقوا الطفل أبو خضير والذين أحرقوا عائلة دوابشة بأبشع الصور، هو الذي يثير غضبنا وسخطنا. من يلقي الحجارة من الفلسطينيين يسمى ب"الإرهابي" بينما اليهودي الذي يطعن أربعة في ديمونا يطلق عليه في الإعلام "الشاب المتهم بالطعن".
ثم كل هذه الاعتداءات على العرب في المدن اليهودية في العفولة ونتانيا وتل أبيب وغيرها هي نتيجة مباشرة لتحريض السياسيين ورجال الدين وهي جريمة أخلاقية وقانونية وعليه:
أولا: توجهت للمستشار القضائي فاينشطاين لتشكيل لجنة تحقيق في كل حوادث إطلاق النار وخاصة إسراء عابد، وفادي علون، وهديل هشلمون، الذين لم يشكلوا خطرا على أحد عند إطلاق النار عليهم وهل يوجد تغيير في تعليمات إطلاق النار في هكذا حالات؟ ومطالبته باتخاذ إجراءات ضد الاعتداءات العنصرية على العرب التي ترافقها صيحات "الموت للعرب" التي أصبحت شعاراً عملياً يترجم ميدانيا.
ثانيا : قمت بالتوجه لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، شارحاً بالتفصيل الاعتداءات العنصرية على الأقلية القومية العربية داخل إسرائيل في كافة أرجاء البلاد.
ثالثا: توجهنا لعدد من السفراء والقناصل الأجانب شارحين ما يجري بالتفصيل ووضعهم أمام المخاطر التي تواجهنا جميعا.
رابعا: توجهنا برسالة للقاضية دورنرـ رئيسة مجلس الصحافة حول استهداف الإعلاميين والصحفيين العرب في الداخل.
خامسا: سوف نستمر في التواجد في ازقة القدس ومساجدها وكنائسها وفي درة التاج المسجد الاقصى.
وقد تقصر هذه الهبة أو تطول، ولكن لا يمكن أبداً لهذا الشعب الفلسطيني البطل أن يستكين إلا بزوال الاحتلال..
هناك شعب يدافع بقوة حقه عن الحياة، وهناك شعب تقوم حكومته وجيشه بحق قوته بالدفاع عن احتلاله وقتل الحياة.
ولا يمكن لأية قوة كانت أن تهزم شعبا أو تلغي طموحه.
#تسقط_العنصرية
#يسقط_الاحتلال
#نحب_الحياة_إذا_ما_استطعنا_إليها_سبيلا
بقلم:النائب احمد الطيبي
رئيس لجنة القدس في القائمة المشتركة