هناك من سأل كثيراً ومبكراً في الأيام الأولى لإندلاع إنتفاضة القدس عن أهل قطاع غزة, وعن إمكانية مشاركتهم في تلك المعركة أو أن هناك من يقمع هذه المشاركة, فكانت الإجابة سريعاً في جمعة الغضب الفلسطيني من قبل شبان غزة الذين خرجوا لمواجهة المواقع العسكرية للإحتلال المحصنة من جنوب القطاع إلى شماله , بصدورهم العارية ليس في أيديهم الا الحجارة والأعلام الفلسطينية , الا أن الحقد الأعمى للجنود الإحتلال الذين أذلتهم مقاومة غزة , وأوقعت فيهم القتل والأسر وخاصة في موقع نحل عوز العسكري , صبوا نيران حقدهم على الشبان وإرتكبوا مجزرة حقيقية بإستشهاد 6 شباب هم ( أحمد الهرباوي , شادي دولة , عبد المجيد الوحيدي ، زياد نبيل شرف , الطفل حمود الرقب , عدنان أبو عليان ) وإصابة ما يزيد عن خمسين من بينهم عشرات الإصابات الخطيرة .
ليس من أنصار الخروج إلى المواقع العسكرية للإحتلال على حدود قطاع غزة للتظاهر والإشتباك على نمط الأحداث في الضفة المحتلة , ومع ذلك لا ألوم الشبان الذين خرجوا يدفعهم الإنتماء لقدسهم وشعبهم , ليعلنوا بدمائهم الطاهرة أنهم جزء أصيل من إنتفاضة القدس المندلعة في مدن وقري ومخيمات وشوارع الضفة الغربية والقدس المحتلة, الا أن الأمر يحتاج إلى وقفة عاجلة وتقيمية للأحداث على حدود قطاع غزة , لأننا نريد إنتفاضة شعبية مخطط لها وتكون فيها أدوار واضحة بشكل تكاملي , يشارك فيها أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده, بالضفة والقدس وغزة والداخل الفلسطيني , والمشاركة تتشكل وفقا للواقع الذي يحكمه الميدان , بكل تأكيد ستختلف صور المشاركة والمساهمة في انتفاضة القدس من مكان إلى آخر.
المواجهة في الضفة لها ميدانها المناسب , يستطيع المنتفض أن يمس بشكل مباشر بالإحتلال ومستوطنيه ولو بحجر أو زجاجة حارقة , والحجر الذي يسقط في مستوطنة بيت أيل أو مستوطنة أرئيل وغيرها أقوى وأكثر تأثير من الحجر الذي يسقط على السلك الشائك على حدود قطاع غزة , وكذلك فأن الفعل المقاوم في القدس المحتلة وضواحيها وشوارعها له وقع الصاعقة على الإحتلال ومستوطنيه , وهذا ما رأيناه على شاشات التلفزة العبرية عندما تحدث المستوطنين عن غياب الأمن والأمان أثناء تحركهم في القدس المحتلة .
وغزة لها دورها بمقاومتها العتيدة , ولنعتبر قطاع غزة على أنه مستودع الذخيرة الإستراتيجي الذي يستخدم في لحظات حرجة من الصراع العسكري , وكلنا ثقة في مقاومة غزة بأنها ستتحرك اذا لزم الأمر , ولا نغفل أن أي تصعيد في قطاع غزة يعني حرب تغيير مسارات الأحداث وقد يؤثر هذا على حراك الشعبي الدائرة في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني .
ومع دخول انتفاضة القدس أسبوعها الثاني بهذا الزخم الثوري الكبير , يجب أن تتشكل فوراً قيادة وطنية موحدة من أجل الادارة والقيادة وترتيب الأدوار وتنسيق الجهود وأي تأخير لهذه الخطورة يعرض إنتفاضة القدس إلى إشكاليات أو خطوات غير مدروسة قد تؤثر على إستمرارية الفعل الثوري , ولما كانت الفصائل الفلسطينية لا تكثرت لهذه الخطوة لحسابات خاصة بها , فيقع إنجاز هذا الأمر على عاتق الأطر الطلابية والتجمعات الشبابية التي تعتبر أكثر حيوية وفعالية في إدارة وتوجيه إنتفاضة القدس بعيداً على الحسابات السياسية للفصائل , مما يضمن بإذن الله إستمرارها بشكل تحقق التطلعات الفلسطينية في إحقاق الحقوق الفلسطينية وإنهاء الإحتلال.
يا أهلنا إستمروا في إنتفاضتكم , فهي الضمانة لردع الإحتلال عن تغوله ضد أرضنا ومقدساتنا , لتتوسع دائرة الفعل الشعبي الثوري لتشمل كل قطاعات شعبنا الفاعلة , إنتفاضتكم شكلت سياج حماية للمسجد الأقصى , أصبح الإحتلال يفكر بشكل جدي في إنهاء حالة الإقتحام اليومي للأقصى وبذلك نستطيع القول أن التقسيم الزمني للأقصى قد فشل فشلاً ذريعاً , مزيداً من الصمود وستتحقق الإنجازات الوطنية , قد يزيد الإحتلال القمع في قادم الأيام ليطفئ إنتفاضتنا ولا يعلم الإحتلال أن مزيداً من الدماء يزيد شعبنا إصرار على مواصلة الطرق نحو التحرير والإنعتاق من الإحتلال .
بقلم : جبريل عودة
كاتب فلسطيني مقيم في غزة
10 -10 – 2015م