جيل يرسم حلم الشعب الفلسطيني بلون ورائحة الوطن

بقلم: عباس الجمعة

يبدو المشهد الفلسطيني يتجدد بهبته الشعبية, وهي التي لم تغب عن الشعب الفلسطيني ، اليوم تتجدد بوسائل المقاومة المشروعة, حق الدفاع عن الوجود والحياة ولو بأبسط الوسائل بمواجهة جبروت الطغيان المدجج بكل الاسلحة وادوات الغدر والقتل, وامام صمت عربي وعالمي, شباب وشابات وفتيان يواجهون الاحتلال ويعلنون ان الجذور لا تموت, وان اصحاب الارض قادرون على تجديد ادواتهم ومواجهة العدوان , يقاومون بالحجر, بالسكين وبالصدور العارية , والعالم مشغول بغير مكان, عواصم القرار كما تسمى, واشنطن وباريس ولندن, ومن يلف لفيفهم مشغولة بحياكة المؤامرات على المنطقة وتدمير مقدراتها, والمال المهروق عربيا يصب في خدمة هذا العدوان, وموجه لتدمير مقدرات دول احتضنت فلسطين من اجل تمزيق وحدتها والعمل على انهاء القضية الفلسطينية وحق العودة, ناهيك عما يجري على ارض فلسطين من اقامة مستوطنات واغتصاب الارض, هبة شعبية عارمة بدأت ملامحها باتجاه انتفاضة حيث تتجلى بعنفوان شبابها القادرين على اعادة وصقل القضية ووضعها بالواجهة من جديد .

امام كل ذلك نقول للعالم اليوم شباب فلسطين يرسمون طريق الوحدة والتمسك بالحقوق الوطنية المشروعة بدمائهم، ونقول للقوى الامبريالية والادارة المركية وحلفائها ان الحجر والسكين والمقلاع ليس ارهابا فهذا حق لشعب تحت الاحتلال يمارس الارهاب المنظم من قتل واعتقال وحرق وقطع اشجار وتدنيس للمقدسات وتهويد للارض ، لهذا لن تكون كل قوى التآمر قادرة على طمس هبة الشعب الفلسطينية التي تشكلت وارتسمت ملامحها، وان هذه الهبة الكبيرة بشهدائها وجرحاها ومعتقليها هم رسل هذه البشرى، وهي الخطوة الأولى على طريق إنهاء الاحتلال وطرده واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق عودة الشعب الفلسطيني اللاجئ الى دياره وممتلكاته التي هجر منها عام 1948 وفق القرار الاممي 194.

اليوم يقود جيل كامل من الشباب الفلسطيني الهبة الشعبية من خلال ايمانه بأن السكين والمقلاع والحجر ليشعل بناره هبته الثورية حتى تحرق الاحتلال، جيل حمل مشاعل النضال ، حيث تتشكل صورة انتصار المناضل الفلسطيني على القيد والقهر والحرمان، جيل يرسم حلم كل الشعب الفلسطيني بلون ورائحة الوطن، ليبدأ مشوار النضال الآخر في بناء ذاته وإثبات صورة الفلسطيني الذي يعشق الحرية ولا يتخذ الكفاح إلا وسيلة للتحرر والعيش بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس ، هذا الجيل الفلسطيني الذي كان ولازال عنوان العطاء، وهو الذي يصمد في وجه الإحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه ، كما كان جيل الانتفاضة الاولى وانتفاضة الأقصى، حيث يقف بكل شموخ وشجاعة مع أطياف الشعب الفلسطيني برغم كل الألوان والرايات، إلا أن الفلسطينية والإنتماء كان هو الحافز الوحيد لوقفة هذا الجيل البطل ، ليقود فعاليات هبة شعبية ثورية ويسجل صفحات من نار ونور، حيث يستكمل المسيرة رغم كل التحديات والصعوبات ، حيث حركت هبته الشعب الفلسطيني من أطفال وشباب ورجال ونساء ، لهذا نقول ان هبة شعبية بامتياز نادرا ما عرف التاريخ البشري شبيها لها، لهذا علينا ان نطور من الهبة الشعبية لكي تصبح ثورة شعبية قادرة على تغيير الواقع السياسي في المنطقة، وحتى

تكون هذه الهبة الكلمة السحرية التي تعبر عن صرخة جميع المضطهدين بغض النظر عن انتماءاتهم.

من هنا ننظر بأن هذه الهبة الشعبية اتت في مرحلة تتطلب اعادة بوصلة النضال الى مكانها الصحيح ، بعد ان وصلت المفاوضات العبثية الى طريق مسدود ، واصبح الامر يستدعي ذلك من قبل الشباب الفلسطيني فأراد بهبته تجاوز كل الاخطار التي تحيط بمسيرة النضال الوطني ودحر كل المؤامرات التي تحاك بهدف تصفية الحقوق المشروعة ، ومن اجل حماية المشروع الوطني وتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينيه لتأخذ دورها النضالي وتخطو نحو المزيد من الخطوات على درب النصر والتحرير والعودة، من خلال الخروج من حالة الظلام حتى تنير سماء فلسطين نحو فجر النصر الاكيد .

ان الشعب الفلسطيني من خلال هبته الشعبية يقدم بكل ثقة دماء ابنائه، والاستمرار في المسيرة، فهذه ارادة الجماهير التي تعطي الجميع القوة والصلابة والاصرار والصمود ، وبالمزيد من العمل الدؤوب المتواصل حتى ترتفع اعلام العزة والحرية والكرامة فوق كل شبر من ارضنا المقدسة .

ان الهبة الشعبية رغم انها تصطدم بعوائق فلسطينية كثيرة، على رأسها استمرار الانقسام الفلسطيني، ما يحول دون تعزيز الوحدة الوطنيه، ولكن رغم كل ذلك المطلوب من السلطة الفلسطينية حسم خياراتها والارتقاء إلى مستوى الحراك الشعبي، عبر المسارعة الى قطع كل صلاتها مع هذا الاحتلال، واستمرار التوجه على الساحة الدولية للمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية دات الصلة، لأن الشعب الفلسطيني الذي خاض الانتفاضات وتصدى للعدوان اليوم ينهض بهبته الثورية ، ويواجه بصدوره العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، ويتصدى للاحتلال متسلحا بحجارته التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراته على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفا واحدا يتلخص في دحر الاحتلال والاستيطان واستعادة كل فلسطين وعودة الحقوق المشروعه التي سلبها الاحتلال منهم وفي مقدمتها حق العودة ، وها هم شباب وفتيات وفتيان فلسطين يقدمون أرواحهم قربانا على مذبح الحرية والفداء والدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في مقدمتها المسجد الاقصى. من هنا تبدأ الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد ، لأنها حلقة من مسلسلٍ طويل حافل بالهبات والانتفاضات التي لقنت الاحتلال درسا في فنون التضحية والفداء ، شعب يخضع للاحتلال من حقه ممارسة كافة أشكال المقاومة والمواجهة ، فالمقاومة الشعبيه بكافة اشكالها خيار لا يمكن ولا يجوز التفريط به طالما بقي الاحتلال جاثما على صدور الشعب الفلبسطيني الذي نال الاعتراف بدولته الفلسطينية المستقلة ورفع علم فلسطين فوق اعلى هيئة الامم المتحدة، ومن هنا تصبح المقاومة والمواجهة حق له وهي أنجع وسيلة في دحر الاحتلال .

فالهبة الحالية ليست وليدة الاعتداءات على المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف فقط، فهي كانت الشرارة التي فجرت غضبا ما راكمه استمرار تدهور أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية والسياسية، وتعمّق اليأس من إمكانية التوصل إلى حل سياسيٍ ينهي الاحتلال. استمرار هذا اليأس دفع الشباب الفلسطيني الذي رأى بأم العين كيق حرق محمد ابو خضير وكيف حرقت عائلة دوابشة وكيف يقتل الشباب على حواجز الاحتلال وكيف تعتقل الشباب والشابات على

حواجز الاحتلال، فكان الإيمان المطلق بأندلاع الهبة الشعبية لانهم لم يعد هناك كثيرا ما يخسرونه، لأيمانهم إن الحقوق الوطنية تنتزع بالمقاومة، من خلال وحدة الشعب وقواه المناضلة بوجه الغزاة والاحتلال في جبهة وطنية موحدة تلتزم ببرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وكفاحي، تصوغ وتبني تحالفات إقليمية ودولية تخدم هذا البرنامج.

ونحن اليوم نرى وبشكل واضح الانحياز الأمريكي إلى جانب الكيان الصهيوني المحتل وتشجيعه على الفتك بالشعب الفلسطيني والتنكيل به وتدمير منازله وجرف أراضيه وممارساته لكل أنواع الإرهاب في ظل صمت عربي ودولي مريب ، مما يستدعي من كافة الاحزاب والقوى التقدمية العربية استنهاض طاقات الشعوب و القيام بواجبها تجاه هذه القضية ودعم ومساندة الهبة الشعبية ماديا ومعنويا وتوجيه وسائل الإعلام إلى ما تمارسه حكومة الاحتلال من إرهاب ضد الشعب الأعزل واعتبار قضية فلسطين القضية المركزية وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده.

نحن نقف على عتبة مرحلة جديدة، لنذكر تاريخا مجيدا لشعبنا على مر السنين. ومنذ بدأت المؤامرة الاستعمارية الصهيونية لسلب ارضنا وتشريد شعبنا، نذكر ثورات شعبنا منذ عام 1921 ، ونذكر ابطالا علمونا الثورة، واعطوا دروسا في التضحية والجرأة والوطنية فهم سبقونا على درب الشهادة، ورووا بدمائهم تربة الارض التي طالما اشتاقت لدماء ابنائها ، لتنبت فوقها زهرة الحرية ،ونتذكر اسرى واسيرات في سجون الاحتلال ، سواء في سجنهم الكبير، او في المعتقلات والزنازين، يصمدون في وجه كل محاولات الارهاب والاذلال، ويتطلعون الينا لنجدد الوفاء ولنؤكد لهم انه لا يمكن ان تسكت شعلة النضال الا بعد ان تتحرر كل فلسطين.

إن شعبنا وهو يتعامل مع كل المعطيات من حقه ان يتوجه إلى الضمير العالمي والى الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، إلى جميع اصدقائه وحلفائه ل يتساءل هل يمكن للسلام العادل ان يتحقق على ارض فلسطين وفي منطقتنا عبر المجازر التي بدأت في دير ياسين، وقام بها هؤلاء الارهابييون في العصابة العسكرية الفاشية الاسرائيلية لتصل إلى ما وصلت اليه عبر المجازر والمذابح في لبنان وبيروت، وفي صبرا وشاتيلا، من حق شعبنا ان يتساءل،هل يقوم سلام على جثث اطفالنا ونسائنا او هل يمر حل على حساب شعبنا، من حق شعبنا ان يتوجه بسؤاله إلى شعوب العالم قاطبة بما في ذلك شعوب الدول التي ما زالت حكوماتها تنكر الشرعية الدولية وتنكر ابسط حقوق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو الحق المقدس لكل الشعوب، ومن حق شعبنا ان يتساءل، هل هناك بعد كل الذي حدث ما يبرر الجمود والتردد في مواجهة الحقيقة التي تقول ان الشعب الفلسطيني هو ضحية الارهاب الرسمي المنظم، وان الواجب الانساني، والاخلاقي، والحضاري، يلزم هذه الشعوب واحزابها وهيئاتها وجمعياتها وحكوماتها بان تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها على الصعيد الدولي وفي الامم المتحدة.

ختاما : نقول نحن على ثقة بأن شعوب العالم واحراره وشرفائه وكل الشعوب والدول الصديقة التي وقفت وتقف معنا، الدول الصديقة في امريكا اللاتينية وروسيا والصين والدول العربية الشقيقية والشعوب العربية وقواها المناضلة من قومية وتقدمية وقوى المقاومة ستبقى الى جانب شعبنا في هذه المسيرة، وهذه الهبة الشعبية وقدرتها على استيعاب حركة المتغيرات ، فشعب

فلسطين وسواعد الشباب والشابات الثورية تصنع المجد، من خلال العزائم التي تكتب التاريخ، نحو الحرية والاستقلال والعودة .

بقلم/ عباس الجمعة

كاتب سياسي