تأثير الانتفاضة الفلسطينية الراهنة تفوق آثار الأزمات المالية والاقتصادية العالمية على الاقتصاد الإسرائيلي

بقلم: حسن عطا الرضيع

تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة هبات جماهيرية أقرب ما تكون ثورة شعبية على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه ؛ اتسعت في كافة أرجاء الضفة الغربية ومدينة القدس العربية, فيما يُعرف بهبة و انتفاضة القدس؛ وفي خضم تلك الأحداث فإن تأثيرات تلك الاحتجاجات الفلسطينية المنددة بظلم واستبداد الاحتلال وعربدته وتعديات المستوطنين التي طالت جُل المناطق الفلسطينية كونهم أصبحوا كتلة سكانية كبيرة تبلغ تعدادها حوالي 750 ألف مستوطن مع نمو سنوي يزيد عن 10% أي 3 أضعاف النمو الطبيعي للفلسطينيين في الضفة الغربية, هذه الزيادة الكبيرة في أعداد المستوطنين تزايدت في فترة حكم الرئيس محمود عباس في السنوات العشر الأخيرة والتي تمثلت بحالة الجمود السياسي وعدم توفر لرؤى وانسداد أفق الحل واستدامة حالات التيه الاقتصادي والسياسي في الأراضي الفلسطينية وتفاقم الأزمات الانسانية والاقتصادية والانقسام السياسي ودخوله العام التاسع, ورافق تلك الزيادة في أعداد المستوطنين ارتفاع نفقات وتكاليف الاستيطان التي تموله الحكومة الإسرائيلية والتي فاقت أل 17.5 مليار دولار خلال تلك الفترة؛ وعليه فإن استمرار الاحتجاجات الفلسطينية وبهذه الوتيرة المتسارعة سيترتب عليه تأثيرات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي ؛ وذلك من خلال ارتفاع حجم الخسائر والتي تفوق خسائرها المرافقة لاندلاع الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتحديدا أزمتي العام 1997 و2008, وهذا ما تم ملاحظته فعلياً من تأثيرات الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 والانتفاضة الفلسطينية الثانية سبتمبر 2000 , حيث أن مجمل الخسارة الاقتصادية التي مُني بها الاقتصاد الإسرائيلي في عامي 2001-2002 تفوق أضعاف خسارتها من الأزمة المالية العالمية عام 2008 رغم تأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد العالمي كونها أزمة مالية تحولت لأزمة اقتصادية لا زالت آثارها مستمرة حتى الوقت الراهن ,وعليه فإن ما يُحدث في الأراضي الفلسطينية في الوقت الراهن من هبات واحتجاجات ذات طابع ثوري وشعبي سينعكس سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي وبتأثير الفراشة ؛ حيث أن استمرار أحداث الانتفاضة في الضفة الغربية ومدينة القدس وأراضي عام 1948 ستُلقي بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي ككل , فزيادة عدد جنود الاحتياط وارتفاع موازنة الأمن وإعلان حالة الطوارئ ورفعها لدرجات قصوي ,ستؤثر على أداء الاقتصاد الإسرائيلي من حيث استمرار حالة الركود الاقتصادي وتراجع الأسواق وإغلاق العديد من المحلات التجارية وتحديداُ في مدينة القدس , وما لذلك من دوراً في تباطؤ الناتج الإجمالي , إضافة لتراجع مستويات السياحة وانخفاض أداء بورصة تل أبيب ,وبالتالي فإن تأثيرات الانتفاضة الراهنة على الاقتصاد الإسرائيلي تفوق بأضعاف مضاعفة لخسائر الاقتصاد الإسرائيلي أثناء قيامه بعمليات عسكرية في قطاع غزة ولبنان , حيث لم يرافق تلك العمليات العسكرية وأهمها ( حرب تموز بلبنان 2006 ,حروب إسرائيل ضد قطاع غزة في العام 2008, 2012, 2014) , تباطؤ كبير للاقتصاد الإسرائيلي والذي حافظ على معدلات نمو عالية تقترب من 5 % , و مع تفاقم الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية فإن معدلات النمو الاقتصادي في إسرائيل ستشهد تراجعاً وسيحقق معدلات نمو سالبة للعام 2015 في حال اتسعت نقطة الزيت و امتدت لتصبح انتفاضة شاملة تغطي بتأثيراتها كل مناطق الضفة الغربية, حجم الخسائر ستكون عشرات المليارات سنوياً سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, رغم ما يحققه الاقتصاد الإسرائيلي من معدلات نمو عالية نسبياً قياسا بدول الجوار ودول المركز الرأسمالي المتقدم, وارتفاع ما لديها من احتياطي من العملة الصعبة وبلوغها 90 مليار دولار أي قرابة 30% من الناتج الإجمالي الذي يبلغ لهذا العام قرابة 291 مليار دولار, فإن تلك المكاسب المتوقعة من ارتفاع تلك الاحتياطات ستذويب مع الخسائر التي سيحققها الاقتصاد الإسرائيلي مع استمرار الوضع الراهن حيث ارتفاع تكاليف الأمن وزيادة نصيب الأمن من الموازنة العامة وتراجع الاستقرار في الجبهة الداخلية الإسرائيلية والتي يعتبر استقرارها جزء رئيسي لنمو الاقتصاد الإسرائيلي وأحد أهم نقاط القوة في الاقتصاد الإسرائيلي إضافة إلى المكاسب الاقتصادية التي لا زالت تحققها من احتلالها للأراضي الفلسطينية والتي تبلغ سنويا 7 مليار دولار وكمكسب سنوي يفوق ما كسبه الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة ما قبل قدوم السلطة الفلسطينية حيث حققت إسرائيل مكاسب بحدود 22 مليار دولار في الفترة 1968-1986 والاستثمار الكثيف في قطاعات الاقتصاد المنتج كالزراعة المتطورة وصناعات الهايتك والماس والبحث العلمي الذي يستحوذ على 4% من إجمالي الناتج في إسرائيل ويبلغ الإنفاق السنوي عليه قرابة 10 مليار دولار إضافة لقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على مخاطبة المستثمرين بثلاثة أنظمة اقتصادية قائمة وهي نظام السوق الحر والمرتكز على وجود سوق المال وبورصة متقدمة ومندمجة بشكل كبير في أسواق المال العالمية , ونظام الكيبوتسات والتعاونيات والموشاف , إضافة لسياسات الدولة التدخلية ذات البعد الكينزي وتحديدا في تدخلها النشط في الاقتصاد والتحكم بسعر صرف الشيكل مقابل الدولار, ومن خلال تحليل تلك المصادر الداعمة للاقتصاد الإسرائيلي فيمكن وضع و بناء رؤية فلسطينية واضحة وشاملة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي تكمن في الاستمرار بعدد من السياسات الاقتصادية وفقا للمتاح وللإمكانيات الفلسطينية المتوفرة في الوقت الراهن ومنها :
1- أن يرافق تلك الاحتجاجات الشعبية في الضفة الغربية ومدينة القدس العربية , الاستثمار في سلاح المقاطعة الفلسطينية للمنتجات الإسرائيلية وتفعيل الثورة البيضاء وعدم الاقتصار على مقاطعة منتجات المستوطنات, حيث سيرافق تلك العملية تراجع ريع الشيكل في الأراضي المحتلة والضغط على استقرار الشيقل , حيث أن المناطق الفلسطينية تستحوذ على 8-10 % من الشيكل المصدر من قبل البنك المركزي الإسرائيلي ,حيث أن استمرار الانتفاضة والثورة البيضاء سيرافقه تراجعا في الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتبر التجارة الخارجية أحد ابرز مصادر النمو في إسرائيل , وهذا ما تؤكده السياسات الاقتصادية في إسرائيل التي بدأت تهتم أكثر بالسوق المحلي على حساب السوق الخارجي اقتداء بإعادة نظر الحكومة الصينية بالاهتمام بالسوق المحلي وعدم خنق الاستهلاك .
2- زيادة معدل الادخار الوطني وتنشيط حجم الطلب في السوق الفلسطينية , عبر دعم المنتج الوطني وبناء استراتيجيات وطنية عقلانية تضع في المقام الأول تنمية الاقتصاد وتعميم المنافع العامة, حيث أن المطلوب إيجاد هيئة أركان فلسطينية موحدة من منظور اقتصادي لاستثمار الهبة الجماهيرية سياسيا_ اقتصاديا في سبيل تحقيق طموحات الفلسطينيين.
3-تعزيز صمود الفلسطينيين عبر العمل على بناء سياسات اقتصادية فلسطينية تنحو نحو مبادئ العدالة الاجتماعية , وتقليل التفاوت المذهل بين الشرائح المجتمعية والذي اتسع في السنوات الأخيرة على شكل فصل اقتصادي ابراتاهيد وخصوصا في قطاع غزة, وتعزيز عوامل صمود الفرد الفلسطيني على أرضه سياسيا- اقتصاديا بحيث لا تكون الانتفاضة عامل استنزاف للمواطن والمجتمع الفلسطيني.
4- اعادة النظر بالموازنة العامة الفلسطينية , والرشد والعقلانية في صرف النفقات الحكومية كضرورة زيادة نصيب الزراعة من الموازنة والاهتمام بالبعد التنموي لكل سياسة اقتصادية مع ضرورة ربطها بالبعد الاجتماعي, ووضع حد أدني للأجور يزيد عن حد الفقر ولا ينخفض عن 2000 شيكل شهرياً , ووضع حد أقصى للأجور لا يزيد عن 7000 شيكل وبالتالي تقليل حدة التفاوت المتنامي ,والرشد في تمويل نفقات المباني والمؤسسات الحكومية غير الملائمة لسلطة وحكومة قائمة تحت الاحتلال ومنها مثل بناء قصر رئاسي بلغ تكلفته 13 مليون دولار في حين تعاني عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة والأكثر تهميشاً من تأخر حصولهم على مستحقات شيكات الحماية الاجتماعية .
5- إعادة النظر بسياسات سلطة النقد الفلسطينية و العمل المصرفي والمؤسساتي وتحديداً موضوع السوق السوداء التي ترافق صرف العملة ومنع هروب رؤوس الأموال للخارج وتوحيد سعر الصرف ما بين البنوك وسوق الصرافة , ووضع رؤية تنموية لتلك الأنشطة , والاستغلال الأمثل للمساعدات والمنح الخارجية المقدمة للفلسطينيين , والعمل على استثمار ودائع الفلسطينيين بالداخل والتي تقترب من 9 مليار دولار .
6- إنشاء صندوق وطني للإنقاذ يموله المستثمرين الفلسطينيين بالخارج والتي تبلغ استثماراتهم 80 مليار دولار, إضافة للحكومة الفلسطينية ورجال الأعمال , وضرورة استقطاع أموال من أرباح الشركات الكبرى وكبار الموظفين بنسبة معينة وتقديمها كإعانات للعمال والفقراء .
7- إنشاء بنك للفقراء والتمويل الأصغر في الأراضي الفلسطينية, وإنشاء العديد من المدن الصناعية الصغيرة وتقديم برامج التمويل الميكروي , وذلك للتخفيف من حدة الفقر لما له من دور في تقوية الجبهة الداخلية واستقرارها وبالتالي تعزيز صمود الفلسطينيين كأولوية قصوى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي .
8- إنهاء الانقسام والعمل على إعلان حكومة وحدة وطنية,والعمل على توحيد شطري الوطن, وبالتالي إسقاط المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى فصل غزة عن الضفة وتحييدها في صراعها الديموغرافي مع إسرائيل , والذي بدأ بالانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة سبتمبر 2005 , ومن خلال الوحدة الوطنية و تشكيل حكومة فلسطينية وبناء إستراتيجية وطنية من شأنه الضغط على إسرائيل وإلحاق الخسائر باقتصادها وتعميمها .


بقلم / حسن عطا الرضيع
الباحث الاقتصادي _غزة