الهروب الى الامام

بقلم: احسان الجمل

تستمر الهبة الشعبية، بوتيرة تصاعدية، وتتسع رقعتها لتتحول تدريجيا الى انتفاضة شاملة، وتأخذ ادواتها السكين والحجر والمولوتوف رمزية كفاحية، كونها ادوات ابداعية، باقل تكلفة، ولا تكشفها اجهزة العدو، ولا تستطيع ان تمنعها، وهي باقل التكاليف، خلقت توازن الرعب، الذي اصاب المجتمع الصهيوني الاحتلالي، يحالة هستيرية من الرعب غير مسبوقة، ارجعته بسرعة الى طبيعته، اي مجتمع عسكري كولونيالي، لا يمت للقانون والديمقراطية بأي صلة كانت.

في المقابل، كشفت زيف الهالة، التي كانت تحيط القيادة الفلسطينية الحاكمة، على مختلف انواعها من حكومات واقع وامر واقع، وفصائل وقوى، وانها اوهن من بيت العنكبوت، فلا سياسيا استطاعت القيادة الرسمية، ان تستثمر الحدث، وحسب اعلاناتها ومقراراتها، بالذهاب الى محكمة الجنائيات، حيث عمليات الاعدام خارج القانون ، التي يمارسها الاحتلال، ولم تقدم بشكوى لمجلس الامن، حتى انها لم تصب بعدوى من حمى وتيرة الاجتماعات التي يعقدها الاحتلال على كافة المستويات السياسية والامنية. حتى اجتماع مندوبي الجامعة العربية، كان حفلة كوكتيل على شرف الدم الفلسطيني، وكما قال دريد لحام (كاسك يا وطن)

وحكومة او حكم الامر الواقع لحركة حماس، التي الهبت الدنيا بعمليات ابان الانتفاضة الثانية، وكانت كلها مسيسة باتجاه الخالد الشهيد ياسر عرفات، تريد اليوم ان تقاتل بلحم غير لحمها، وجلد غير جلدها، وما قاله ابو مرزوق عن تحييد غزة المأزومة والتي لا تتحمل هزة_ بالامس كان يتغنى بانتصارها الالهي والدنيوي- فطالب بدعم القوى الاسلامية في الضفة، لمحاربة الاحتلال، وضمنا المقصود هو السلطة الفلسطينية. فغابت عن حماس حجارة الابابيل، والعصف المآكول. وظهر وجهها المرعوب، من انتفاضة، توحد الشعب، وتنهي الانقسام، رغم انف صانعيه، وتضيع كل احلام الامارة. جل ما تريده حماس الان هو اسقاط السلطة، وبث الفوضى، وتوجيه رسالة ، انها هي صاحبة قرار الحرب والسلم.

باقي الفصائل والقوى، تبحث بالمكروسكوب عن صلة قرابة او نسب مع عائلة شهيد، لتعلن عن تبنيها، بملصق او بيان يعلن وجودها في خضم الحراك.

لم تستوعب حتى الان كل هذه القوى، ما يجري امامها، ليس لانه غريب عن شعبنا، وثقافته، بل لان غُيبَ عن ثقافتهم واحلامهم، واكد ان النضال له ادوات وضريبة، الارادة والتضحية. وهذا ما هو مقتول في داخلهم، لانهم وبكل وضوح، هزموا من داخلهم، وهذه اصعب الهزائم. وان النمط السائد من حركات استعراضية كما كان يحصل في بلعين وغيرها، استهلك.

كلهم، يهربون الى الامام، وهم اكثر جهدا من الاحتلال، بأن لا تتحول الهبة الى انتفاضة، تكشف زيفهم، ثم تهز عروشهم، فتسقطهم, فكل الاسباب التي ادت الى هذه الهبة، هم شاركوا في صناعتها بسب تقاعسهم، وانقسامهم، وضعف حيلتهم، والاكثر نفاقا شعاراتهم الكاذبة. هم من اوصلوهم الى هذه الحالة، من الكفر بكل القيادات والفصائل، ومشاريعهم وبرامجهم السياسية التي لم تجد لها افاقا.

واذا امعنا النظر، في تركيبة المشاركين في الهبة، ابطال السكاكين، والاستشهاد والاعتقال الباسمين، نجدهم، من جيل لم ير سوى الهزائم والظلم والاستيطان والقتل اليومي دون اي حماية. قتل بدم بارد، يقابله رد فعل اكثر منه برودة. سنجد بين هؤلاء الابطال، حرائر فلسطين، صباياها هن جزء اساس، وبنسبة فاقت الانتفاضتين السابقتين، مما يدل ان السياسة العدوانية، تركت الاثر في كل الشرائح الاجتماعية، والفئات العمرية، وخاصة جيل الشباب. الذي تقدم، الى حيث هرب الاخرون الى الامام، تقدموا ليغطوا الفراغ، الذي احدثته السياسات القائمة، وكادت ان تسقط عن الفلسطيني، انه مدرسة الفداء والتضحية والعطاء.

احسان الجمل