لا لقيادة استئناف المفاوضات

بقلم: فايز أبو شمالة

بعض الفلسطينيين يصف ما يجري على أرض فلسطين بأنه انتفاضة شعب يرفض المذلة، وقرر أن يتحدى المحتلين، وأن يقاوم قطعان المستوطنين، وأن يتمرد على الواقع البائس، هؤلاء الفلسطينيون حريصون على تصعيد المواجهات مع العدو، وتوحيد طاقة الشعب ومقدراته، وهم يطمحون في الانتقال بالانتفاضة من مرحلة إلى مرحلة أخرى، حتى تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بتحرير وطنه كاملاً، والعودة إلى أرضه التي اغتصبها الصهاينة.
وبعض الفلسطينيين يصف ما يجري على أرض فلسطين بأنه هبه شعبية، أو حراك يهدف إلى لفت أنظار العالم إلى الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وهؤلاء حريصون على عدم تصعيد المواجهات إلى حد استفزاز المستوطنين، وإثارة غضب الإسرائيليين، وأقصى ما يطمحون إليه هو تكاثف الضغط الدولي على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات.
الخلاف في تسمية ما يجري على أرض فلسطين يعكس الاختلاف في الرؤية السياسية، والاختلاف في المواقف من تطورات الأحداث، والتي لن يكون آخرها الغضب الفلسطيني الرسمي من إلغاء زيارة وفد الرباعية الدولية بناء على طلب نتانياهو، ومن ثم الترحيب بما أعلنه وزير الخارجية الأمريكية جون كيري عن نيته التوجه إلى تل أبيب ورام الله في القريب العاجل، في محاولة لتهدئة الأوضاع، وإخماد فتيل الاشتعال بين إسرائيل والفلسطينيين.
فهل كان إخماد فتيل الاشتعال، واستئناف المفاوضات هو الهدف الذي من أجله قدم الشاب الفلسطيني التضحيات، ويقتحم لتحقيق المعجزات؟
وهل كان نزف الدماء الفلسطينية في القدس ورام الله وبيت لحم ونابلس وغزة يهدف إلى استئناف المفاوضات التي جربها الشعب الفلسطيني لأكثر من 22 عاماً متواصلاً؟
وإلى متى سيظل الدم الفلسطيني حقل تجارب لبعض السياسيين، الذين داسوا على إرادة الشعب سنوات، واستخفوا بدم الشهداء، وافرغوا مسيرة شعب من عنفوانها؟
إن الانتفاضة التي اشتعلت على أرض فلسطين لتؤكد بدليل الدم والجراح أن لا مشكلة لنا في فلسطين مع قلة الموارد، ولا كان مصدر ضعف الشعب الفلسطنيي هو قلة الامكانيات، ولا كان السبب في ضياع أرضنا في فلسطين هو بطش اليهود، وغطرسة المستوطنين، وخفة يد جيشهم على الزناد، بل كانت مصيبتنا في فلسطين، وما زالت مصيبتنا محصورة في البون الشاسع بين حلم الشعب وقرارات قيادته، وبين طاقة الشعب واندفاعه وعجز قيادته، بين إقدام الشعب الفلسطيني وتحجر قيادته التي احتكرت القرار السياسي الفلسطيني منذ خمسين سنة حتى يومنا هذا، قتلت خلالها الأمل بتحرير فلسطين، وحاصرت إرادة الشعب العملاق بسياسة (ما لنا طاقة بإسرائيل، ويجب الاعتراف بتفوقها، والقبول بمفردات السياسة الدولية، التي قضت بأن كل أوراق الحل بيد أمريكا)، هذه السياسة التي انتهجتها القيادة الفلسطينية كانت وما زالت السبب الرئيس في حرمان الشعب الفلسطيني من تذوق لذة الانتصار، وحرمته من قطف الثمار.
زيارة جون كيري إلى المنطقة تجيء من أجل سلامة إسرائيل، ومحاصرة إرادة الشباب الفلسطيني، وهذا لا ينسجم مع روح انتفاضة القدس التي يخوضها شعب يعشق الكرامة، والتي ارتقت بجرأة شبابها في مواجهة العدو الإسرائيلي بالسكاكين إلى نقطة الصفر، وهذا يفرض على كل وطني شريف أن يدفع في اتجاه تصحيح المسار السياسي إلى نقطة الصفر، والتي تتمثل في تحرير القرار الفلسطيني من قبضة المفاوضين، والتخلص من الزعامات والشخصيات التي قادت العمل السياسي طوال المراحل السابقة، وأثبتت فشلها، وممارساتها الماحقة.
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى قيادة شابة، واثقة من نفسها، ومن قدرات شعبها، قيادة جديدة لها روعة الحاضر وعبق التاريخ، قيادة جديدة تتميز بشجاعة الشباب وإقدامهم ووفائهم لعهدهم، وإخلاصهم لوطنهم الذي يحاكي عطاء الشعب الفلسطيني غير المحدود لوطنه.
ودون فرز قيادة فلسطينية جديدة، تأخذ على عاتقها تحقيق طموحات الشباب، وتحلم بالمستقبل الحر، دون ذلك، سيظل الشعب الفلسطيني العملاق يقدم عشرات ألاف الشهداء والجرحى والأسرى، ليأتي جون كيري فيقطف ثمرة تضحياته.
د. فايز أبو شمالة