اطفال فلسطين يواجهون فائض قوة إسرائيلية عمياء

بقلم: سليمان الشيخ

أوردت وسائل التواصل الاجتماعي في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، خبرا مفاده أن قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح والعتاد والعنجهية، اقتحمت منزل السيد محمد جمال الجعبري في مدينة الخليل، وتعاملت بفظاظة وسوء احترام بحق من وجدته في طريقها، أو من وجدته في البيت.
اعتقد السيد محمد جمال في البداية، أن القوات الإسرائيلية جاءت للتنسيق معه في ما يتعلق بقضايا أمنية، تخص مدينة الخليل وجوارها، كونه يشغل وظيفة مدير الدائرة الأمنية لمحافظة الخليل.
أزاحوه جانبا وبدأوا يعيثون فسادا وتفتيشا في جنبات البيت، حينها علت الصيحة من كل من كان فيه، وازداد غضب ودهشة مدير دائرة الأمن الفلسطيني. في تلك اللحظة تقدم منه أحد الضباط الإسرائيليين وسأله غاضبا: أليس يوسف محمد الجعبري هو ابنك؟ بين الاندهاش والغضب والسخرية العارمة، أجاب: نعم لي ابن بهذا الاسم، عندها اقترب منه الضابط وحاول ضربه ودفعه قائلا: وتعترف بأنه ابنك. صاح محمد الجعبري من جديد وهو في أعلى حالات الغضب والارتجاف والاستنكار: نعم نعم هو ابني.. ماذا فعل؟ صاح به الضابط إنه يقذف جنودنا ومستوطنينا بالحجارة أيها المجرم.
برزت السخرية والشماتة والغضب على محياه ونادى بأعلى صوته: يوسف يا يوسف تعال وقابل هؤلاء "الضيوف". جاء من أحد جنبات البيت طفل صغير برئ، خاف عند رؤيته الجنود. كان عمره ثلاث سنوات فقط. حينها وجه الوالد كلامه إلى الضابط، وقال بغرابة مستنكرا: أهذا هو يوسف الذي تسألون عنه؟ نظر الجنود إلى بعضهم وسأل ضابطهم هل لك ابن آخر اسمه يوسف؟ أجاب محمد الجعبري لا طبعا. وإذا أردتم معرفة الحقيقة فاسألوه إن كان يعرف كيفية حمل الحجارة أو حتى لفظها. توزعت نظرات الطفل على الجنود بخوف، حينها غادروا غاضبين شاتمين ولم يتورعوا أثناء خروجهم عن تكسير كل ما وجدوه في طريقهم. حضن الأب ابنه وكادت دموعه أن تغرق رأس الصبي الذي جاءت أمه لتحضنه وتقبله وتسأله ماذا كانوا يريدون منك يا ابني؟ نظر الطفل إلى أبيه وأمه وتلعثم واحتار بما يجيب.
هذا يذكر بما حصل أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، عندما أوردت وكالات الأنباء أن القوات الإسرائيلية داهمت منزل السيد مفلح علاء الدين من بلدة صفورية في مخيم عين الحلوة فجر أحد الأيام، وسألته عن أبي حيط، فأجابهم انه ابني ولكنه طفل نائم، حينها أزاحوا الأب بعنف من طريقهم، واقتحموا مكان نومه، وكشفوا الغطاء عن النائم، ليجدوا أنه طفل لا يزيد عمره عن العشر سنوات. غادروا بغضب وكسروا ما وجدوه في طريقهم، إلا أنهم عادوا مرة ثانية وثالثة، ليتحققوا من وجود مقاوم يدعى أبو حيط، ليجدوه طفلا لا يمكن أن يقوم بما أوردته تقارير مخابراتهم وعملائهم، ليغادروا في كل مرة غاضبين وشاتمين، فما هي الحكاية كما سمعتها من أبي حيط نفسه في زمن لاحق من العام 1985، بعدما أجبر الإسرائيليون على الانسحاب من منطقة صيدا ومن مخيم عين الحلوة بالذات؟.
سألته في البداية عن حقيقة ما اوردته الصحف ووكالات الأنباء عن وجود عشرات الأطفال من حوله يحملون السلاح ويتدربون. أجاب ضاحكا بخجل وسيماء الطفولة ما زالت ترتسم على محياه وحركاته؛ لقد بالغوا في ذلك. فسألته ما هي الحقيقة إذن كما عشتها وعرفتها؟
أجاب متلعثما: لقد اعتقلوا كل من وجدوه في المخيم من الرجال والشبان، ونقلوهم إلى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني، أو إلى معتقلات فلسطين المحتلة، ولم يبق في المخيم الذي تم تدمير معظمه إلا النساء والرجال كبار السن والأطفال. أحببت أن أرفه وأخفف عنهم وعني الضيق والظلم والقهر، فجمعت مع أصدقائي بنادق غير صالحة للاستعمال، وقمنا بدهنها وتلميعها، وأصلحنا شكلها الخارجي، وأخذنا نمثل ونتدرب، وخرجنا ذات يوم إلى سوق المخيم ونحن في حالة انتظام، فتم توجيه نصائح لنا من قبل كبار السن أن نتوارى عن الأنظار، لئلا يتم اعتقالنا من قبل الجنود الإسرائيليين أو من قبل عملاء لهم .
أضاف: ثم تطورت الأمور فأخذ رجال المقاومة الفلسطينية يتصلون بنا ويوجهوننا للقيام بأعمال تخدم مقاومتهم للمحتل الإسرائيلي. في تلك الفترة اقتحموا بيتنا في الليل نحو ثلاث مرات، وكانوا ينوون اعتقالي، إلا أنهم كانوا في كل مرة يجدون طفلا لا يتجاوز عمره السنوات العشر.
تابعنا أنا والأطفال أصحابي تقديم التمثيليات الساخرة التي كنا نقوم بها في النهار، إلا أننا ومن خلال تعليمات رجال المقاومة أخذنا ننشط في الليل، ونخيف الجنود الإسرائيليين والعملاء، حتى أنهم قتلوا في إحدى الليالي أحد الأطفال المشتركين معنا.
هكذا علق أبو حيط قائلا: استمرت أعمالنا بين التمثيل والمزاح والجد إلى أن خرج الإسرائيليون مندحرين من منطقة صيدا وعين الحلوة بالذات، وتم التحرير بواسطة رجال المقاومة وعملياتهم، لينسحب الإسرائيليون نهائيا من تلك المنطقة في تلك المرحلة من العام 1985.

٭ كاتب فلسطيني

سليمان الشيخ