حول خطاب الرئيس!

بقلم: سميح شبيب

مساءً، أطل علينا الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ومن على شاشة الفضائية الفلسطينية، بخطاب، جاء موجزاً، لكنه واضح للغاية. حمل الخطاب رسالة للإسرائيليين وللعالم، بأننا شعب يحب السلام وينشده، وأننا ضد العدوان والعنف. جاء هذا الخطاب، بعد الخطاب التاريخي الهام للرئيس من على منبر الأمم المتحدة، ومن ثم ما شهدته القدس، وكافة المناطق الفلسطينية، من هبة شعبية، كادت تصل حد الانتفاضة!

استذكرت عند سماعي للخطاب، ما ورد في البرنامج الانتخابي للرئاسة، والذي حرص فيه الرئيس محمود عباس، ان يكون واضحاً وصريحا، ولا يدعو للعنف، بأي شكل من أشكاله، رغم شعبوية الدعوة للعنف واستخدام السلاح.
جاءت الهبة الشعبية، لتؤكد مقولة الرئيس، في الأمم المتحدة، وهي استحالة بقاء الحال على حاله. وبأن ما تم التوقيع عليه مع الإسرائيليين، هو اتفاقات لها جانبان، وعلى الجانبين التقيد بها، وبأن بقاء السلطة بلا سلطة، سيعني وضع حد حاسم، لما تم الاتفاق عليه، ولم تلتزم به إسرائيل، لا من قريب او بعيد.
مما لا شك فيه تركت هذه الهبة الشعبية المباركة، لمسات شديدة الوضوح، ودلالات لا يمكن القفز عنها. هنالك تحرك دولي، وهناك حراك إسرائيلي وإقليمي. جهود كثيرة قادمة، لتحريك الجو السياسي، والخروج من حالة الهبة الى حالة التفاوض مجدداً.
الولايات المتحدة، للأسف الشديد، لا تزال تساوي ما بين الضحية والجلاد، وترى بأن كليهما مسؤول عن التهدئة، وبالتالي لا تتمكن جهودها من تحريك الأجواء بشكل جدي وحقيقي. الموقف الأوروبي مختلف شيئا ما، لا يمكنه التحرر من التأثير الأميركي عليه.
المواقف الإقليمية تختلف، وفقاً لاختلاف مصالحها، لكن الموقف العربي، يتميز في ذلك، ولا يزال يشكل المرجعية للفلسطينيين، ولا تزال لجنة المتابعة العربية تشكل السند المرجعي، للقرار الفلسطيني.
على الأغلب، فإن الرسالة الفلسطينية، وصلت للإسرائيليين ولأصحاب القرار في إسرائيل، لكن ذلك لا يعني، بأية حال من الأحوال، بأن ثمة تغييرات جوهرية، ستطرأ على السياسات الإسرائيلية، في ظل حكومة نتنياهو الاستيطانية - العنصرية - العدوانية، لكنه يمكن القول، بأن ما جرى، كان قادراً على لجم سياسات إسرائيلية، خاصة في القدس، وأجندة التقسيم الزماني والمكاني في القدس، ومحاولة قضم المزيد، من القدس الشرقية، وتهويدها، وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي.
من الممكن للغاية توظيف الكثير مما حدث إبان هذه الهبة، في سياق الصراع مع الإسرائيليين، وتأتي في المقدم منها، عمليات الإعدام والقتل بدم بارد، لشبان فلسطينيين في القدس وغيرها، وتقديم تلك العمليات لمحكمة الجنايات الدولية، والإفادة منها، في طلب الحماية الدولية للفلسطينيين.
داخليا، يمكن توظيف حدث الهبة الشعبية، في اعادة دراسة الوضع الفلسطيني الداخلي، فهذه الهبة الشعبية، جاءت نتيجة الضغط الشديد، عبر شبان تتراوح أعمارهم ما بين ١٨ - ٢٢ سنة ودون اطار من الفصائل الوطنية الفلسطينية.
صحيح أنها جاءت دون تحديد أفق سياسي واضح، لكنه، كان بالإمكان في حال استمرارها أن ترسم أفقها، وتؤطر قياداتها.. علينا ان نأخذ ذلك في الحسبان، وألاّ ننساه أبداً!!

سميح شبيب
16 تشرين الأول 2015